في العنب أما العنب فينقسم قسمة جنسية على ضربين: وذلك أن منه الغض الحامض المعروف بالحصرم، ومنه الكامل النضج الصادق الحلاوة وهو العنب على الحقيقة. فأما الحصرم فبارد في الدرجة الثانية، يابس في الثالثة، له ثلاثة أجزاء مركب منها: أحدها: الحب، والثاني: القشر، والثالث:
الرطوبة. فأما الحب فيابس له كثافة وصلابة، ولذلك صار أشد يبسا من القشر وأغلظ وأعسر انهضاما وأبعد من الاستحالة والتغيير، بل لا استحالة له ولا تغيير أصلا، لكنه ينحدر عن المعدة والمعاء بصورته وشكله من غير أن ينحل شئ من أجزائه. إلا أنه إذا سحق جيدا وشرب، قوى المعدة بعفوصته وقبضه وقطع الاسهال المري، وبخاصة إذا كان محمصا. وأما القشر فغليظ عصبي، ولهذا صار لا يستحيل أيضا ولا ينحل ولا يغذو البدن أصلا. وأما الرطوبة فلقبضها وعفوصتها، عسر انهضامها، إلا أنها مقوية للمعدة والكبد جميعا، مسكنة للحرارة، قاطعة للعطش، قامعة لحدة المرة، نافعة من القئ المري (1) والاسهال العارض في الكبد والمعدة عن ضعف القوة الماسكة. وإذا اكتحل بها، قوت الحدقة وقطعت الرطوبات الغليظة التي في المأقتين (2).
ولديسقيريدس في عصارة الحصرم قول قال فيه: إن عصارة الحصرم إذا استخرجت قبل طلوع نجم الكلب وجعلت في إناء نحاس مغطى بثوب وصيرت في الشمس نهارا، ورفعت من الندى ليلا كيلا ينالها برد الهواء ويمنعها من الانعقاد، وصبر عليها حتى تغلظ وتصير كالعسل، كانت موافقة للعضل الذي عن جانبي الحلق المعروفة باللوزتين واللهاة واللثة الرخوة، التي تسيل منها الفضول، والقلاع (3) والآذان التي يسيل منها القيح. وإذا احتقن بها، نفعت من قروح المعاء ومن سيلان الرطوبة المزمنة من الرحم. ويشرب أيضا لنفث الدم العارض قريبا (4) من انفتاق بعض العروق التي للصدر من غير سعال.