القول في العسل العسل حار يابس في الدرجة الثانية، له حدة وحرافة اكتسبهما من طبيعة النحل، بهما يجلو ويقطع ويجذب الرطوبات من عمق الأبدان وينقيها من المسام ويغسل أوساخ العروق والأوراد (1) ويجلوها. ولذلك صار موافقا للأبدان الباردة الرطبة، كان ذلك لها من مزاجها، أو من السن، أو لحال عارضة لأنه ينتقل في مثل هذه الأبدان إلى الدم بسرعة ويغذوها غذاء صالحا، إلا أنه يسير (2) للطافته وسرعة انحلاله من الأعضاء. وأما الأبدان الحارة، فإنه غير موافق لها وبخاصة إذا كانت مع حرارتها يابسة المزاج لأنه يلهبها ويستحيل فيها إلى المرار قبل انتقاله إلى الدم. فإذا انتقل، ولد دما حادا حريفا خارجا من تغذية أبدانهم، بل لا يغذوها أصلا، ولذلك صار من أوفق الأشياء للمشايخ لأنه يلطف رطوباتهم ويقطعها ويلذع المعاء بحدته ويهيجها إلى دفع ما فيها بسرعة. فأما الشبان، فإن إضراره بهم بين (3) لأنه مجفف رطوباتهم ويلهبها ويحبس طبائعهم ويهيج فيهم الغثي والقئ.
وقد يختلف العسل على حسب اختلاف أنواعه ووجوه استعماله. وأما اختلافه في أنواعه، فيكون على ضربين: أحدهما: من زمانه، والآخر: من مرعى النحل وغذائه. واختلافه من زمانه يكون على ضروب: لان منه الربيعي، ومنه الخريفي، ومنه الشتوي، فأحمدها وأصلحها الربيعي وبعده الخريفي، وأردأها الشتوي لأنه أغلظ، وإذا غلظ ضعفت قوته. وأما اختلافه من قبل مرعى النحل وغذائه، فيكون على ضروب: لان منه ما يكون من نحل يرتعي نوار اللوز وما شاكله. ومنه ما يكون من نحل يرتعي الفودنج والصعتر والنمام (4) وما شاكل ذلك. ومنه ما يكون من نحل يرتعي الافسنتين والشيح (5)