في مخ فقار الظهر المعروف بالنخاع أما النخاع فإنه إذا قيس بمخ العظام كان باردا رطبا لأنه من جنس الدماغ وهو متصل به، إلا أنه أصلب من الدماغ وأيبس وأقل دسما وبخاصة ما بعد منه من الدماغ، كان أقل لرطوبته ودسمه، وأزيد لصلابته ويدل على ذلك قلة تولده للغثي والقئ. ومن قبل ذلك صار الغذاء المتولد عنه أغلظ من الغذاء المتولد من الدماغ وأكثر لأنه إذا استحكم هضمه، لم يكن غذاؤه باليسير. وأما مخ العظام فإنه أدسم من الدماغ كثيرا وأعذب وأكثر لذاذة وأنعم، إلا أنه ملطخ للمعدة مفسد للشهوة ملين للطبيعة بفضل لزوجته ودهنيته. وإذا انهضم، ولد غذاء كثيرا، وإن كان الاكثار منه مغثيا.
ومن منافعه على سبيل الدواء: أنه يحلل الأورام الجاسئة، ويلين الجلود الخشنة. وأجودها لمثل ذلك مخ الأيل وبعده مخاخ العجول. فأما مخاخ الثيران والكباش فإنها أشد حرافة. ومخاخ الأطراف أكثر تليينا من غيرها لرطوبتها وقربها من السمين وذلك لكثرة حركة الأطراف.
* * * في السمين والشحم أعني بالسمين الشحم البين المخالط للحم والعظام، مثل شحم الأضلاع والأجناب وما شاكل مما أحلته التوراة لبني إسرائيل. وأعني بالشحم الجامد الغليظ المبرأ من اللحم والعظم المحرم على بني إسرائيل في التوراة مثل شحم الثرب (1) وشحم الكلى. والفرق بينهما أن السمين أرطب وأسرع ذوبانا وانحلالا وأبعد جمودا وانعقادا. ولذلك شبهه الأوائل بالزيت المتقادم الذي قد نشف الهواء أكثر رطوبته وغلظ قوامه. وأما الشحم فأقل رطوبة وأكثر جفافا وأغلظ من السمين كثيرا. ولذلك صار لا يذوب بسرعة وإذا ذوب وبرد لم يلبث إلا يسيرا حتى يجمد ويرجع إلى حالته التي كان عليها. وإذا أكل أحدهما، لين آلات الغذاء وأرخاها وبخاصة المعدة لأنه يلين خملها ويذهب بخاصتها وقوتها على (2) طحن الطعام. وإذا أكل أحدهما مع الطعام، طفا عليه وأفاده لزوجة وغلظا (3) وأفسده ومنع من هضمه وأشبع بسرعة، لا سيما إذا كان ما أخذه معه من الطعام حلوا لان الحلاوة زائدة في فساده لسرعة غليانها وقبولها للفساد.
ولروفس في هذا قول قال فيه: إن ما كان من الأعضاء السمين عليه أغلب وفيه أكثر، لم يقبل البدن من غذائه حسب ما يشبع، وان كان الشحم أخص بذلك من السمين كثيرا، لان لزوجته أغلظ