بسم الله الرحمن الرحيم الباب الأول في السبب الذي دعا الأوائل إلى الكلام في طبائع الأغذية قال إسحاق بن سليمان: إن السبب الذي دعا الأوائل إلى الكلام في طبائع الأغذية هو انهم لما عنوا بالبحث عن الصحة وأسبابها، والأمور الداعية إلى حفظها، وجدوا الأبدان مضطرة إلى أمرين:
أحدهما: إعطاؤها من الغذاء ما يصلحها مما به قوتها وقوامها، ولحاجتها إلى رد ما يتحلل منها بوقود الحرارة الغريزية من باطنها وحرارة الهواء من ظاهرها. ولذلك احتاجت إلى إعطائها ما تقتضيه القوة الطبيعية الشهوانية، المركبة فيها من الأغذية الموافقة لها.
والآخر: نفى ما يجتمع في الأبدان من قسم الغذاء المخالف لمزاجها، إذ لا سبيل إلى وجود نظير ما يتحلل من جوهر الأبدان بعينه في الأغذية الموجودة، فيفسد ويتحلل لامتناع ذلك في الطبع، إذ ليس جميع أجزاء الغذاء مشاكلة لجوهر البدن من قبل ان منه قسما هو جوهر الغذاء وهو المستحيل دما المتشبه بالأعضاء التي به تغذيتها، وقسما هو ثفل الغذاء وأرضيته وهو الذي تنفيه الطبيعة عن الأبدان لاستغنائها عنه في تغذية الأبدان.
ولما كان ذلك كذلك، ورأينا طبائع الناس في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، وتركيبها في القوة والضعف والكثافة والسخافة (1) غير متكافئة ولا متساوية لان منها ما المستولي عليه الدم الخالص النقي. ومنها ما الغالب على مزاجه المرتان (2) أو البلغم. ومنها المتكاثف المسام المستحصف الجلد