والاعتدال على الحقيقة، بل نسبنا السمك اللجي إليها على سبيل الاستعارة والمجاز على جودة الجوهر وحسن الغذاء. وأما السمك الشطي، فقد يقع فيه الاختلاف أيضا من قبل طبيعة المواضع التي يأوي فيها، لان منه ما يأوي المواضع الرملية الحسنة الصافية الماء القليلة الكدر والأوساخ لبعدها من مصب الأنهار قليلا. ومنه (1) ما يأوي المواضع اللينة الرخوة الكثيرة الطين والحمأة لقربها من مصب الأنهار وكثرة ما يصل إليها من مياه الأنهار ومن أوساخ المدن ومزابلها. ومنه (1) ما يأوي المواضع المتوسطة بين ذلك. وما كان منه (1) يأوي المواضع الحسنة الرملية الصافية الماء القليلة الكدر والأوساخ، لبعدها من مصب الأنهار قليلا، كان أفضل مما يأوي المواضع الرخوة الكثيرة الطين والحمأة القريبة من مصب الأنهار من قبل أن ما يصل إليها، من أوساخ المدن ومزابلها، يفسد ماء السمك وغذاءه ويكسبه سهوكة (2) وزهومة وغلظ ولزوجة.
وما كان من السمك يأوي المواضع المتوسطة بين هاتين الحاشيتين كان أجدى من كل واحد منهما بقسطه على حسب توسطه بينهما على الحقيقة، وانحرافه إلى إحداهما دون الأخرى. وأما السمك الذي يصعد من البحر إلى الأنهار ويصير فيها، فقد يلحقه من الاختلاف على حسب اختلاف المواضع التي يأوي فيها، وإن كان في الجملة أكثر لزوجة وغلظا من السمك الذي لا يصعد أصلا بإضافة كل نوع منها مما يصعد من الأنهار إلى نوعه الذي لا يصعد ولا يفارق البحر، أعني بذلك اللجي إلى اللجي (3) والشطي إلى اللجي، ففي ما أتينا به من طبيعة السمك البحري واختلاف أنواعه وأصنافه كفاية ولا قوة إلا بالله.
* * * القول في السمك النهري وأما السمك النهري فهو في جملته أغلظ وأكثر لزوجة وأبعد انهضاما وأسرع انحدارا عن المعدة وأكثر غذاء من السمك البحري، وذلك لرطوبة مائه ورخاوته وعذوبته، إلا أنه ينقسم قسمة أولية على قسمين: لان منه ما يتولد في الأنهار ويأوي فيها ويسمى النهري على الحقيقة. ومنه ما يتولد في البحيرات والآجام ويأوي فيها ويسمى البحري.
والنهري أيضا يكون على ضربين: لان منه الرضراضي المتولد في الأنهار العظام الصافية الشديدة المد، الجارية على الرمل والحصى الرضراضية، النقية من الأوساخ والكدر لبعدها من المدن ومن أوساخها ومزابلها. ومنه (4) ما يتولد في الأنهار اللطاف الضعيفة المد، الجارية على الطين والحمأة