القول في البيض أما البيض فنسبته إلى بدن الحيوان كنسبة المني والدم إلى الحيوان المشاء، لان المني والدم لما كانا مادة وغذاء لتوليد الحيوان الطيار المشاكل لطبيعة بدن الانسان لان البيض إذا كان من حيوان له ذكر جمع فيه المني والغذاء جميعا، وذلك لان نفوذه في بدن الانسان أسرع وتغذيته أعدل وأكثر، وانحلاله من الأعضاء أبعد وتقويته أزيد. والسبب في سرعة نفوذه في الأبدان لطافة جوهره وليانة جسمه واعتدال رطوبته. والسبب في تقويته للأعضاء أن الحراة الغريزية كلما ازدادت فيه فعلا، ازداد هو صلابة وقوة.
وذلك يقاس من الشاهد لأنه نجده خارجا كلما ازداد فعل النار فيه تأثيرا، ازداد هو صلابة وشدة.
والسبب في كثرة غذائه أن جوهره كله يستحيل ويتشبه بالأعضاء المشاكلة مزاج (1) بدن الانسان بالطبع لأنه قريب من التوسط والاعتدال وبخاصة المح منه لاعتدال حرارته ورطوبته، إلا أنه إذا شوي، اكتسب من النار حرارة وجفافا وصار أكثر تجفيفا وأكثر تسكينا للحرارة. وإذا سلق بالماء استفاد رطوبة من الماء وصار أقل تجفيفا وأكثر تسكينا للحرارة. وأما بياض البيض فينحرف عن الاعتدال والتوسط إلى البرودة قليلا، ولذلك صار غليظا زهيما بطئ الانهضام بعيد الانحلال مذموم الغذاء.
وقد يختلف البيض في جودة غذائه ورداءته وسرعة انهضامه وإبطائه لوجوه أربعة: أحدها:
لطبيعة الحيوان الذي هو منه وسنه. والثاني: مقدار مدة البيض وما مضى له من الزمان بعد خروجه من الحيوان. والثالث كيفية صنعته وعمله. والرابع: مقدار نضجه في كثرته وقلته، وقوته وضعفه. فأما مثال ذلك من طبيعة الحيوان الذي هو منه وسنه، فيكون على ضروب: لان ما كان منه من حيوان أعدل مزاجا وأعبل (2) لحما وأطرى سنا وبخاصة إذا كان من حيوان له ذكر، كان أفضل وأحمد مما كان من حيوان أفسد مزاجا وأهزل لحما وأكبر سنا وبخاصة إذا كان من حيوان ليس له ذكر. ولذلك صار بيض الدجاج والدراج والتدرج أفضل البيض وأحمد غذاء، لان حيوانه أعدل الطير مزاجا وأكثر شحما لكثرة سكونه