الشراب الأبيض في ذلك دون الشراب الحلو كثيرا، لان الشراب الحلو أنفع في اطلاق البطن ونفث البصاق من الصدر، الا انه غير موافق لادرار البول، لان أغلظ وأبطأ نفوذا في العروق وأبعد من تفتيح السدد. والشراب الأبيض الخمري أكثر تفتيحا للسدد وأسرع نفوذا في العروق ووصولا إلى المثانة. ولذلك صار أنفع من الأمراض المحتاجة إلى إدرار البول.
وأما الأصفر والأشقر فلبعدهما من الحواشي والأطراف وتوسطهما الهيأتين على الحقيقة، صارا أكثر الأشربة حرارة، وأقراها فعلا، وألطفها تأثيرا، وأجفها حركة، وأسرعها ترق إلى الرأس، وأشدها فرغا للذهن، لأنهما يمليان الرأس بخارات لذاعة ويسكر بسرعة في أقرب وقت، الا ان انحلال خمارها سهل (١). فان عارضنا معترض فقال: وما السبب الموجب للشراب الأصفر والأشقر أن يكونا ألطف الأشربة وأخفها حركة وأسرعها تأثيرا؟ والشراب الأبيض أرق مائية، ومن البين أن الرقة وكثرة المائية أخص باللطافة وخفة الحركة وسرعة الانهضام من غيرها! قلنا له: قد بينا في غير موضع في كتابنا هذا أن اللطافة على ضروب: لان منها لطافة منسوبة إلى سرعة الفعل وقوة التأثير مثل الفلفل والزنجبيل والدارصيني بقوة فعلها في تلطيف الأخلاط وتنقية الأثفال. ومنها لطافة منسوبة إلى سرعة الانفعال وسهولة الانهضام مثل لطافة السمك الرضراضي والبيض النيمبرشت في سرعة انفعالهما. ومنها لطافة في الجوهر وحسن الغذاء مثل لطافة الخبز المحكم الصنعة ولحم الدراج والفراريج <في سرعة فعلهما> (2) وتوليدهما للدم الفاضل المحمود. وإذ ذلك كذلك فمن البين أن الشراب الأبيض وان كان لطيفا لرقته وسرعة انهضامه وانحداره وانحلاله، فان الشراب الأشقر والأصفر لطيفان في قوة فعلهما وحسن تأثيرهما في تلطيف الأثفال والاخلاط وتنقية الدم وتصفيته. وسأبين ذلك عند كلامي عليهما.
وأما ما يلحق الشراب من الاختلاف بحسب طعومها فيكون على ضروب، لان طعوم الشراب تنقسم قسمة أولية على أربعة ضروب: لان منها الحلو، ومنها القابض، ومنها التفه الذي لا طعم له، ومنها الصلب الشديد الطعم القوي الرائحة، وان كان قد يتوسط بين هذه الطعوم طعوم أخر تلطف عن (3) العبارة عنها باللفظ لأنها (4) مركبة غير بسيطة من طعم واحد فينالها الحس فيوقع العقل عليها اسما. فما كان من الخمور حلوا، كان إسخانه في الدرجة الثانية وتجفيفه في الدرجة الأولى أو منحرفا إلى الرطوبة قليلا. ولذلك صار غليظا مذموما في جميع حالاته الا في حالة واحدة كأنه فريد فيها دون غيره من الخمور، وهي إطلاقه للبطن لسبب الموجود في كل حلو من الجلاء والغسل والتنقية. فان عاقه عن ذلك عائق وعسر انحداره وخروجه، حمي وغلى أو ربا وطفا في أعلى المعدة واستحال إلى المرار وولد عطشا ورياحا نافخة مضرة بأعلى البطن والخواصر، وأحدث سددا في الكبد والطحال وحجارة في الكلى،