باب في الفواكه القول في التين أما التين فهو أحمد الفواكه وأكثرها غذاء وإن كانت كلها لا تنفك من توليد الخلط الغليظ لرطوبتها. والتين في الجملة حار يابس ودرجاته في الحرارة واليبوسة تختلف على حسب اختلافه في ذاته، لأنه في ذاته يختلف على ضروب: لان منه البري، ومنه البستاني. والبستاني على ضربين: لان منه الرطب، ومنه اليابس. والرطب على ضربين: لان منه الفج الذي لم يستكمل نضجه بعد. ومنه التام النضيج الكامل النضج. فما كان منه نيا فجا بعيدا من النضج، كان في طبيعته أبرد وأغلظ، لغلبة الأرضية على جسمه. إلا أن فيه رطوبة لبنية تفيده حدة وجفافا في آخر الدرجة الثانية. فللجهتين جميعا هو مذموم أعني الجهتين: حدة رطوبته اللبنية وحرافتها، وغلظ جسمه وغلبة الأرضية عليه.
وللفاضل أبقراط فصل قال فيه: إن التين كلما كان أبعد من النضج، كان أبرد وأغلظ، إلا أن في رطوبته اللبنية حدة وحرافة وجفافا (1). وكلما كان أنضج كان أسخن وأقل يبوسة. ومن فعل التين الفج على سبيل الدواء، أنه إذا طبخ وعمل منه ضماد، لين العقد والخنازير وحللها. وإذا طبخ وخلط معه نطرون وعجن بخل، أبرأ القروح الرطبة التي في الرأس. وإذا خلط بعسل، نفع من عضة الكلب والقروح التي تسيل منها رطوبة عسلية لزجة. فإذا خلط مع ورق الخشخاش البري، أخرج العظام المتكسرة في الجراح. وإذا خلط بموم، حلل الدماميل. وإذا دق وهو ني وحمل على النملة المعروفة بالنملة، أبرأها.
وأما التين الطري الكامل النضج، فهو أقل حرارة وجفافا من التين اليابس، كأن حرارته في وسط الدرجة الأولى، ويبسه ورطوبته متساويان، وهو مركب من ثلاثة أجزاء: أحدها: القشر، والثاني:
الحب، والثالث: اللحم. فأما حبه فإنه لا يبتل ولا ينحل أصلا لأنه في صلابته شبيه بالرمل والحصى ولذلك لا ينال البدن منه شيئا من الغذاء. وأما قشره فهو في غلظه شبيه بالجلود العصبية من الحيوان، ولذلك صار عسير الانهضام جدا. ومن أجل ذلك، كان من الواجب ألا يؤكل التين الرطب بقشره.