الباب الرابع عشر في كيفية استعمال اللحمان بالصنعة فأما (1) اختلاف غذاء اللحمان على حسب الصنعة والعمل فيكون على ثلاثة ضروب: وذلك أن من اللحمان ما يتخذ مشويا، ومنها ما يتخذ مطجنا (2)، ومنها ما يتخذ مسلوقا بالماء والملح، ومنها ما يتخذ مطبوخا بالخل والأبازير (3) وغير ذلك.
فما كان منها مشويا أو مطبوخا كان أكثر اللحمان غلظا وأبعدها انهضاما وأقوى يبسا وتجفيفا للأبدان، ذلك لقلة ما يبقى فيه من رطوبة اللحم، لتمكن النار منه ومباشرتها له، وقوة فعلها فيه. ولهذه الجهة صار ما ينال البدن من غذائه أقل واصلب. ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: يجب على من أراد أن يشوى لحما ورطوبته التي فيه مذمومة مثل رطوبة اللحم الكثير الشحم، ان يكثر ملحه ويطيل لبثه على النار لتقل رطوبته ويفنى أكثرها. ومن أراد أن يشوى لحما ورطوبته التي فيه محمودة مثل رطوبة الحيوان المتوسط السمن أو رطوبة اللحم الأحمر من حيوان سمين، فلا يمكن النار منه تمكنا يتهيأ معه أن ينشف أكثر رطوبته، لكن يمسحه بالزيت لتحتقن الرطوبة في باطنه وتمتنع من الخروج، وينزع من النار وأكبر رطوبته بعد فيه. ومن قبل ذلك صار الأفضل الا يتخذ اللحم المخالط للشحم الا مشويا بملح كثير ونار جمر قوية لا لهب فيها ليزول أكثر رطوبته رويدا رويدا ويقارب الاعتدال كيلا يزلق من المعدة والمعاء، وينحدر عنها بسرعة قبل نفوذه في العروق، ويوافي حرارة المعدة زائدة وقوتها الماسكة قوية، فيطول لبثه فيها ويستحيل إلى الدخانية وجنس المرار.
فأما المسلوق بالماء والملح، فان الماء يكسبه رطوبة يصير بها أرطب وأكثر وأسرع انهضاما وانحدارا وأسهل نفوذا في العروق وجولانا في البدن. ومن قبل ذلك أشارت الأوائل الا يتخذ اللحم