القول في الزلابية أما الزلابية فنوعان: أحدهما يسمى باليونانية ليارابا، والآخر هو المسمى بالزلابية على الحقيقة، ومزاجهما جميعا بطيئا الانهضام، مضران بالكبد والطحال والكلى إضرارا قويا، وذلك لجهتين:
إحداهما: غلظ الزيت ولزوجته وبخاصة إذا كان مقلوا. والثانية: لزوجة الدقيق وعلوكته وبخاصة إذا قلي في الزيت لأنه يزداد غلظا، ويصير بمنزلة الجلود التي قد نالها الماء. ولذلك صار مولدا في بطون المدمنين عليه بلغما غليظا منعقدا ويسد أفواه العروق والمنافذ التي ينفذ فيها الغذاء إلى الكبد حتى أنه كثيرا ما يعرض من ذلك في المعاء أمراض يعسر برؤها جدا، بل لا تزول ولا تتحرك حين يضطر أصحابها إلى النفوذ بالأدوية الملطفة للفضول والأغذية والأشربة الكذلك. ومن أفضل ما استعين به على تلطيف غلظها، اتخاذها من حنطة بيضاء رخوة خفيفة الوزن كثيرة النخالة قليلة اللباب. وتستعمل بالعسل لان العسل يلطف ما يلقاه من الفضول. فإذا استعمل الزلابية بالعسل، تولد بينهما قوة مركبة من لطافة العسل وغلظ الدقيق والزيت، وقل إضرارها بالكبد والطحال والكلى، إلا أن يكون قد تقدم في هذه الأعضاء سدة أو غلظ قبل ذلك، لأنه إن كان قد نفذ من ذلك، لم يكن إضرار الزلابية مع العسل، بدون (1) إضرارها إذا أخذت بغير عسل، بل يكون إضرارها بالعسل أكثر كثيرا. من قبل أن حاسة الأعضاء تستلذها لعذوبة العسل وتجتذب منها مقدارا أكثر من لطافة فعل العسل في تلطيفه وقوة الطبيعة على هضمه. وذلك أن فعل العسل في تلطيفه وقوة غلظ الأغذية مع غير الزلابية أقوى وأكثر منه مع الزلابية، لما يخالطه من غلظ الدقيق المقلو بالزيت. وأردأ ما يستعمل من الدقيق المقلو بالزيت على ما بينا وأوضحنا.