القول في الزيتون أما الزيتون فينقسم قسمة أولية على ضربين: لان منه البستاني، ومنه البري. والبستاني ينقسم ثلاثة أقسام لأنه له قوة في تولده ثلاث مراتب: أحدها: مرتبته إذا كان أخضر (1) عفصا لم يكمل نضجه بعد ولم يتم انعقاده ودهنيته. والثانية: مرتبته إذا صار أسود كامل النضج قد تم انعقاد رطوبته وصارت كلها زيتا ودسما. والثالثة: مرتبته الأسود الكامل النضج وهو المعروف عند ديسقوريدوس بالياقوتي. وأما الغض الأخضر الذي لم يكمل نضجه بعد ولم يتم انعقاده ودهنيته، فإنه يكون على ضربين: أحدهما:
يعرف بزيتون الماء على الحقيقة، لأنه لا يعقد زيتا ولا دهنا. وإن عقد كان ما ينعقد منه يسيرا (2) لا يمكن استخراجه منه لرقة رطوبته وضعف انعقادها وقلة دسمها ودهنيتها مثل الزيتون الأبيض المصري.
والآخر يسمى زيتون الماء على المجاز، لأنه منه ما يستخرج زيت الماء والزيت الانفاق. وأما زيتون الماء على الحقيقة، فإن الأرضية غالبة عليه. ويدل على ذلك زيادة قبضه وعدمه الدهنية والدسم. وما كان كذلك كان انحرافه عن الحرارة والرطوبة إلى البرودة واليبوسة بحسب ما فيه من القبض. ولذلك صار أكثر أنواع الزيتون تقوية للمعدة وحبسا للبطن وأقلها غذاء وأبعدها انهضاما. والسبب في بعد انهضامه ضعف حرارته وكثافة جسمه وصلابته. وقد يربى بالماء والملح أو بالملح والخل ويستعمل. فما ربي منه بالماء والملح، أفاده ذلك حرافة وجفافا وصار محرقا للدم مضرا (3) بعصب المعدة بطئ الانهضام لقحله وغلظه، إلا أنه سريع الانحدار لتلذيعه. وما ربي منه بالخل، أفاده ذلك لطافة وبرودة وصار نافعا لحدة الصفراء ومنبها للشهوة قليل اللبث في المعدة لان الخل يقطع غلظه ويسهل انحداره وبخاصة إذا أكل في وسط الطعام لان اختلاطه مع الطعام مما يفرق أجزاءه ويمكن الطبخ من جملته.
وأما الزيتون الغض الأخضر الكائن من زيتون الزيت فمشاكل لزيتون الماء في قوته وطبيعته وفعله