الباب السابع في امتحان الحبوب والبزور والوقوف على معرفة الجيد منها والردئ الحبوب تمتحن من جهتين: إحداهما من صورتها وجوهريتها، والأخرى من انفعالها وانتقالها عند الصنعة والعمل.
فأما امتحانها من صورتها وجوهريتها، فيكون على ثلاثة ضروب. وذلك أن من الحبوب ما يكون مكتنزا ملززا رزينا كثير الجوهر والدقيق، قليل القشر والنخالة. ومنه ما يكون جسمه عظيما رخوا سخيفا متخلخلا حسن الظاهر قليل الدقيق كثير النخالة. ومنها ما يكون جسمه متوسطا بين هاتين الحالتين.
فما كان منها مكتنزا ملززا رزينا كثير الدقيق قليل النخالة، كان دليلا على أن فعل الحرارة الغريزية قد جاوزت في طبخه المقدار الطبيعي، وأفنت رطوبته العرضية، وعملت في رطوبته الجوهرية وصلبتها وصيرتها غليظة علكة. ولذلك صار الغذاء المتولد من هذا النوع كثيرا قويا عسير الانحلال من الأعضاء. ولهذا ما صار فعله في شدة الأعضاء وقوتها أفضل منه في بقاء الصحة وثباتها، من قبل أن شدة الأعضاء تحتاج من الغذاء إلى ما كان غليظا علكا، بطئ الانحلال من الأعضاء. وبقاء الصحة وثباتها يحتاج من الغذاء إلى ما كان سخيفا (1) سريع الانقياد لفعل الطبيعة عند حاجتها إلى تحليلها.
وأما ما كان من الحبوب قد جاوز المقدار الطبيعي في عظمه، وكان سخيفا خفيفا قليل الدقيق كثير النخالة فإنه دليل على رطوبة فضلية لم تستكمل الحرارة الغريزية انضاجها وتلطيفها. ولذلك صار هذا النوع أكثر رطوبة ولزوجة، وأغلظ من النوع الأول كثيرا لان الطبيعة لم تستكمل فعلها فيه. ولهذا وجب أن يتوقى كثيرا ولا يستعمل ما دام حديثا ولكن يخزن في مواضع جافة قليلة الرطوبة حتى يمضي عليها من الزمان ما يمكن أن تزول عنه رطوبته الفضلية وتفعل فيه حرارة الهواء ما كانت الحرارة الغريزية تحتاج أن تفعله فيه وهو بعد على نباته. والمقدار الكافي لمثل هذا هو إلى أن تجف وتصلب وتكتنز