الباب التاسع عشر في إصلاح الأغذية ونقلها من الطعوم الكريهة المذمومة والروائح البشعة الفاسدة والأجسام الصلبة الخاسئة إلى طعوم لذيذة محمودة وروائح ذكية مقبولة وأجرام لينة معتدلة تصلح للغذاء فأقول: إن الأغذية تكون على ضربين: لان منها ما قد أصلحته الطبيعة وأتقنت عمله وأحكمت نضجه على نباته، وأخرجته إلى الحالة التي يجب أن يكون عليها، وأغنت عن الحيلة والتدبير في إصلاحه، مثل عملها في اللبن والفواكه التامة الكاملة النضج. ومنها ما لم يستتم عملها فيه، فبقي على حالة يحتاج فيها إلى إصلاحه بالصنعة والعمل، لينتقل من الطعوم والروائح التي تعافها الطباع وتشنأها (1) وتنافرها، إلى طعوم وروائح لذيذة عند الطباع، ومن الأجرام الصلبة المستكدة للطباع إلى أجرام سهلة سريعة الانقياد لفعل الطباع.
ولذلك قال جالينوس: ومن الواجب أن لا يكون لشئ من الطعوم رائحة كريهة مفسدة للمعدة مبخرة إلى الرأس مضرة بالدماغ، ولا طعم قوي لذاع مضر بعصب المعدة مؤذ لحاستها ولا جرم صلب مستكد للمعدة ومتعب لها. ولهذه الجهة، صار من الأفضل أن نستعمل الحيلة في إصلاح ما رأيناه من الأغذية له رائحة كريهة أو طعم قوي أو جرم صلب، لنزيل عنه ذلك بأحكم ما يكون من الصنعة والعلاج. وذلك يكون بخمس خصال: إما بالنار وحدها، وإما بالماء وحده، وإما بهما جميعا، وإما بالملح، وإما بالخل والزيت والأبازير.
واليسير من الأغذية يكتفي بالنار وحدها لان النار إنما تستعمل لثلاثة وجوه: إما لما يحتاج إليه أن