القول في شرب اللبن ينبغي لشارب اللبن أن يتناوله بسخونته التي يخرج بها من الضرع، فإن أمكنه أن يمتصه من الضرع مصا كان أفضل، لان الهواء إذا مسه ذهب غليه وأضعف حرارته، وغلظه بعض الغلظ، ومنع من سرعة انهضامه. وإذا تناوله فيجب أن يمتنع من كل ما يؤكل ويشرب إلى أن يكمل انهضامه في المعدة حسنا، وينحدر عنها بكماله من قبل أن كل ما خالطه في المعدة من شئ، أي شئ كان، من طعام أو شراب أو غير ذلك، فسد وأفسد كل ما يخلطه مما أخذ قبله أو بعده. ثم يحذر غاية الحذر من أن يتعب بعقب شربه له، لان التعب يحمي اللبن في المعدة ويفيده حرارة غريبة ويعومه ويغليه ويمنعه من أن يستقر في المعدة ويصل إلى موضع النضج. وإذا حمي وعام، حدثت فيه استحالة وحمض بسرعة. ولا يستعمل السكون أيضا جملة، فيمتنع من الهبوط إلى قعر المعدة وموضع النضج، ولكن يتمشى بعقب أخذه له قليلا برفق، ثم يسكن قليلا من غير أن ينام، لان النوم يمنع الاسهال، فإنه متى امتثل (١) هذا التدبير، هبط اللبن بيسير الحركة واستقر في قعر المعدة وموضع النضج (٢) من غير أن يستفيد حرارة عرضية تعومه وتحدث فيه غليانا وحموضة. وإذا سلم من ذلك انهضم بسرعة من قرب. وإذا دام التعب وأفرط، انحدر اللبن عن المعدة بفجاجة وغلظ وولد رياحا نافخة وسددا وغلظا. ولذلك صار من الأفضل أن يتمشى شاربه له (٣) قليلا برفق، ومرة بسكون من غير أن ينام، لان النوم يمنع إسهاله للبطن. فإذا امتثل شاربه هذا التدبير، هبط اللبن إلى قعر المعدة وموضع النضج بيسير الحركة لأنه لم يستفد حرارة عرضية تعومه. وإذا سلم من ذلك وصار إلى موضع الطبخ من المعدة، <و> انهضم بسرعة انهضاما محكما فليتناوله ثانية ويمتثل ما قدمنا ذكره في التدبير في المرة الأولى والثانية.
والسبب في شربه ثلاث مرات أو أكثر في اليوم الواحد أن اللبن في ابتداء ما يؤخذ، يسهل