القول في الدماغ المعروف ومخ الفقار المعروف بالنخاع ومخ العظام والشحم والسمين أما الدماغ فقد كنا بينا في المقالة الأولى من كتابنا هذا اختلاف أقاويل الناس ودعوى من ادعى أنه بارد رطب، وما أقام الفيلسوف (1) عليه في كتابه المعروف بكتاب الحيوان من البراهين الواضحة على أنه حار بالطبع وبارد بالعرض. ونحن أغنياء عن تكرير الكلام في هذا الموضع وإعادة القول فيه إذ غرضنا في هذه المقالة والمقالة التي قبلها الاختصار والايجاز المطابق للقول الخبري. فأقول: إن الدماغ وإن كان قد ثبت من قول الفيلسوف بالبراهين الواضحة أنه حار بالطبع، وأن برودته التي هي فيه بالعرض قد أفادته من الرطوبة ما صار بذلك لزجا زهيما مغثيا ملطخا للمعدة، مفسدا لشهوة الطعام، بعيدا (1) من الانهضام والانحدار سريع (3) الاستحالة إلى الفساد وبخاصة إذا أخذ في آخر الطعام أو بعد الطعام، يطفو ويعوم ويهيج القئ والغثي. ولذلك قال جالينوس: وإذا أردت أن تهيج القئ فأطعم الدماغ في آخر الطعام مع زيت كثير. ولهذه الجهة وجب أن لا يقربه أحد في آخر الطعام ولا بعد الطعام وبخاصة متى كان في معدة المستعمل له رطوبة زائدة، أو كانت شهوته مقصرة، لأنه من أوكد الأسباب على فساد شهوة من هذه حاله وأبطأ لها لفضل لزوجته وزهومته، إلا أنه متى استعمله من كانت شهوته قوية ومعدته خالية من الطعام بعيدة من الفساد وجاد هضمه فيها وحسن استمراؤه في الكبد، غذى غذاء كثيرا، إلا أنه لين زهم خامي. ومما يدفع ضرره أن يؤكل مشويا مطيبا بالخل والملح والصعتر والفوذنج الجبلي والنعنع اليابس والزنجبيل والفلفل والدار صيني ويشرب بعده نبيذ صرف أو مصرف. وإن كان الخل خل عنصلان كان أفضل وأغنى عن كثير من الأبازير وربما جعل بدل الملح مري.
* * *