الحاشيتين وبعده من الوسائط، من قبل ان <ما> كان منهما متوسطا (1) على الحقيقة وما بعد من الحاشيتين، كان أقوى حرارة وأسرع تأثيرا. وما بعد من الوسط وقرب من الحاشيتين كان أضعف حرارة وأبطأ تأثيرا. ولذلك صار الشراب الأصفر من العنب الأحمر، والأصفر الذهبي من العنب الأبيض أقوى حرارة وأسرع تأثيرا، لان حرارتهما في الدرجة الثالثة، وذلك لبعدهما من الحواشي والأطراف وتوسطهما الهيأتين على الحقيقة. وأما الأحمر فيتلو الأسود في ثقل الحركة وبعد الانهضام والانحدار وبعد التأثير، وذلك لمشاكلته للأسود في لونه وغلظ قوامه وقوة قبضه. ومن قبل ذلك صار غذاؤه بعد الأسود كثيرا، وانحلال خماره بطيئا.
وأما المورد من العنب الأحمر، والخوصي من العنب الأبيض، فيتلو الأبيض في خفة الحركة، وسرعة الانهضام والانحدار والنفوذ في العروق، والقوة على درور البول، ذلك لقربهما من المشاكلة للأبيض في لونه ورقة قوامه وليانة طعمه. ولهذه الجهة صار غذاؤهما متوسطا غذاء الأشقر والأصفر، وبين غذاء الأبيض على الحقيقة، وذلك لما فيهما من زيادة الصبغ وقوة الحرارة واللطافة وسرعة الحركة على اللون الأبيض. ومن قبل ذلك صار ترقيهما إلى الرأس، بإضافتهما إلى الأبيض على الحقيقة أسرع، وفرغهما للذهن أقوى، وسكرهما وانحلال خمارهما أبعد. وبإضافتهما إلى الأشقر والأصفر بخلاف ذلك وعكسه، لان ترقيهما إلى الرأس يكون أبعد وفرغهما للذهن أقل وأخف وسكرهما أسهل وانحلال خمارهما أقرب.
وأما الأبيض الخمري فمتوسط (2) بين الخوصي والأبيض المائي، من قبل أن الشراب الخالص المائية لا فرق بينه وبين الماء الا بما يوجد فيه من يسير القبض. ويدل على ذلك مشاكلته للماء في لونه ورقة قوامه وتفاهة طعمه وقلة احتماله للمزاج لعدمه الحلاوة والصلابة والعفوصة إذ لا فرق بينه وبين الماء الا بيسير قبضه.
وأما الذهبي الخوصي فألذ الخمور البيض طعما وأذكاها رائحة وأولاها بأن يكون خمريا على الحقيقة، لقوة طعمه وذكاء رائحته. ولذلك صار أسرعها نفوذا في العروق وأقواها على تنقية الصدر والرئة بالنفث. وأما الأبيض الخمري فمتوسط بين اللون المائي الخالص البياض وبين اللون الخوصي لأنه لم يبلغ بعد أن يكون خوصيا. ولذلك قال جالينوس: وبحسب زيادة الشراب الخمري على الشراب الخوصي في البياض، كذلك نقصانه عنه في القوة والتقطيع والتنقية. وإذا كان ذلك كذلك كان من البين أنه بحسب نقصانه عن الشراب الأبيض المائي في البياض، كذلك زيادته عليه في القوة والتقطيع والتنقية. ولذلك صار أبعد الخمور خطرا فيمن كانت به حمى الخمر المائي في الغاية، وذلك لسرعة خروجه بالبول والعرق والبخار وبخاصة إذا كان تفها مشاكلا لطعم الماء. ولهذه الجهة اختار عليه أبقراط، في نفث ما يحتاج إليه ان ينفث من الصدر بالبصاق، الشراب الأبيض الخمري، وإن كان