القول في التدبير الغليظ أعني الأغذية اللزجة البطيئة الانهضام، المحمودة الكيموس فأما التدبير الغليظ، فإنه وإن كان لا يفيد البدن صحة يوثق بها، فقد يكسبه خصبا كبيرا مع قوة بينة ظاهرة. ذلك لطول لبثه في الأعضاء وبعد انحلاله منها. ولذلك لا يحتمله من الناس إلا أهل الرياضة القوية والتعب الشديد، ليقاوم كثرة حركتهم وقوة تعبهم، ولا يذوب وينحل من أعضائهم بسرعة، فتذبل ويعرض لهم سلال. ولما كان أكثر الناس يرغبون في خصب أبدانهم وقوة أعضائهم مع صحة لا يوثق بها، على صحة يوثق (1) بها مع قصف (2) أبدانهم ونقصان قوة أعضائهم، وجب على من كانت هذه سبيله، واضطره الامر إلى استعمال الأغذية الغليظة البطيئة الانهضام، ألا يشغله شاغل عن إصلاح تدبيره والقيام على نفسه بالرياضة المحمودة في كل يوم قبل أوقات غذائه، لأنه إن استعمل ذلك دائما ولم يغبه ولزم اليوم في أوقاته، أمكنه استعمال الأغذية اللزجية البطيئة الانهضام ولا سيما متى كانت بنية أحشائه، أعني معدته وكبده، قوية وكان ممن إذا ألح على مثل هذه الأغذية، لم يحس في جنبه الأيمن بثقل ولا بشدة.
ومن الواجب أن يكون تقدير الغذاء في غلظه ولطافته، وكثرته وقلته، على حسب مقدار الرياضة والتعب في دوامهما (3) وكثرتهما أو قلتهما وتقصيرهما، من قبل أن من كان تعبه دائما ورياضته كثيرة، مثل الصريعين (4) وأمثالهم، احتمل من الأغذية ما كان في نهاية اللزوجة والغلظ. ومن كانت حركته مقصرة ورياضته قليلة لم يحتمل من الأغذية إلا ما كان قليل الغلظ واللزوجة. ومن كانت حركته معتدلة ورياضته متوسطة، احتمل من الأغذية ما كان متوسطا بين الغلظ واللطافة والكثرة والقلة. ومن لم يقدر على