القول في الصنوبر الصنوبر في جملته حار في الدرجة الثانية، يابس في أولها. إلا أنه يكون على ضربين: لان منه الصنوبر الذكر الصغير الحب، المعروف عند أهل الشام بقضم قريش، ومنه الأنثى الكبير الحب، المعروف بحب الملوك. فأما المعروف بقضم قريش فهو أشد حرارة ويبسا وكأن حرارته في أول الدرجة الثالثة. ويستدل على ذلك من تركيبه، لأنه مركب من حرافة وعفوصة ومرارة. والحرافة عليه أغلب.
ولذلك صار بالدواء أشبه منه بالغذاء، إلا أنه إذا أنقع في الماء الحار وقتا طويلا وأكل، غذى غذاء محمودا وكان نافعا من نفث الصدر والرئة. وإن كان هذا الفعل شاملا له ولأمثاله من الثمار التي قد غلب عليها الحرافة والقبض لان الماء الحار يكسبها رطوبة وليانة ويزيل عنها حرافتها وقبضها. ومن خاصة هذه الثمرة تنقية الصدر والرئة والنفع من السعال العارض من الرطوبات العفنة. وإذا شرب مع بزر القثاء والميبختج (1)، سكن حرقة الكلى والمثانة وأدر البول.
وأما لحاء هذه الشجرة ففيه من قوة القبض ما يبلغ منه الغاية في حبس البطن وشفاء السحوج الظاهرة والنفع من حرق النار وإحراق الماء الحار إذا سحق وخلط بدهن ورد وطلي عليها. وأما ورقها، فلانه أرطب من اللحاء، صارت فيه قوة تدمل (2) مواضع الضرب من غير أذى ولا عنف على الحاسة.
وأما الدود الموجود في عود هذه الشجرة فقوته شبيهة بقوة الشجرة، إلا أنه ألطف وأغوص.
وأما الصنوبر المعروف بحب الملوك، فمركب من مرارة وحرافة ورطوبة. ولذلك صار على سبيل الغذاء يغذو غذاء قويا غليظا عسير الانهضام. وأما على سبيل الدواء، فمن شأنه أن يغري ويملس خشونة الأعضاء وبخاصة إذا أنقع في الماء حتى ينسلخ عنه جميع ما فيه من الحدة والحرافة لان الذي يبقى فيه بعد إنقاعه في الماء في غاية البعد من التلذيع والتوسط بين الكيفية الحارة والكيفية الباردة