الباب الثامن عشر القول في السمك السمك في جملته يغذو غذاء يسير البقاء في الأعضاء، سريع الانحلال منها، لان الدم المتولد عنه بالإضافة إلى الدم المتولد عن المواشي، أرق كثيرا وأقرب من طبيعة البلغم. وإنما قلنا أرق بالإضافة إلى دم المواشي لنفصله من الرقيق من القول المطلق، من قبل أن الرقة والغلظ واللطافة والثخن وما شاكل ذلك، إذا قيلت بالقول المطلق، فإنما يقصد بها زوالها عن المزاج المعتدل.
ولجالينوس في هذا قول قال فيه: إذا سمعتني أقول أرق وألطف وأثخن وأغلظ وأسرع انهضاما وأبطأ انهضاما بالقول المطلق، فإني إنما أقول ذلك بالإضافة إلى المزاج المعتدل.
ولذلك قلنا في الدم المتولد عن السمك، أنه أرق بالإضافة إلى الدم المتولد عن المواشي، ليزيله عن الرقة بالقول المطلق من قبل أن للدم حاشيتين وواسطة. لان من الغليظ جدا الشبيه بغلظ القار (1)، مثل الدم المتولد عن الإبل والايايل والظباء والتيوس والكبير من البقر. ومنه الرقيق المائي، مثل الدم المتولد عن البقل وكثير من الفاكهة. ومنه المتوسط بين هاتين المرتبتين، مثل الدم المتولد عن الخبز المحكم الصنعة ولحم الدراج والفراريج والجداء الرضع، وإن كان بين كل حاشية من هذه الحواشي وبين الواسطة مرتبة أخرى، أعني أن بين البقر المتوسط على الحقيقة وبين الدم الغليظ مرتبة أخرى، مثل الدم المتولد عن الضأن والعجول الرضع. وكذلك بين الدم المعتدل على الحقيقة وبين الدم الرقيق مرتبة أخرى، مثل الدم المتولد عن السمك اللجي (2) والسمك الرضراضي (2) لان الدم المتولد عن هذين النوعين من السمك وإن كان قريبا من الاعتدال، فإنه لا محالة مائل إلى الرقة والبياض قليلا لغلبة البرد والرطوبة عن مزاج السمك بالطبع، وإن كان السمك في جنسه ينقسم على أقسام شتى: لان منه ما يأوي الماء العذب ويسمى النهري. ومنه ما يأوي الماء المالح ويسمى البحري. ما يأوي الماء المالح فكثير ما ينتقل إلى الماء العذب لاستلذاذه له، لعذوبته ولذاذته. وما يأوي الماء العذب