القول في التمر أما التمر فحار غليظ عسير الانهضام بطئ الانحدار، إلا أنه أسرع انهضاما من التين وأدر للبول، حتى أن الالحاح عليه يشحم المثانة ويولد سددا في الكبد والطحال ويزيد في جسأهما وغلظهما، ويضر بالأسنان واللثة، ويحدث في فم المعدة ألما، غير أن فعله يختلف في القلة والكثرة على حسب اختلاف أنواعه، لأنه في جنسه يختلف على ثلاثة ضروب: وذلك أن منه ما يكون تولده في البلدان القوية الحرارة، ومنه ما يكون في البلدان القوية البرودة، ومنه ما يكون في البلدان المعتدلة.
فما كان منه في البلدان القوية الحرارة، بلغ من النضج الغاية القصوى وجاوز حد الاعتدال وصار أحر التمور وأشدها حلاوة وأكثرها ليانة ولزوجة وأقلها عفوصة. ولذلك صار أكثرها غذاء وأسرعها انهضاما وأطلقها للبطن، إلا أنه أكثرها توليدا للنفخ وأخصها بسدد الكبد والطحال وأسرعها انقلابا إلى المرة والعفونة وأضرها بالأسنان والرأس وفم المعدة. وما كان منه في البلدان القوية البرودة لم يبلغ من النضج كماله، وبقي يابسا جافا قوي العفوصة، ولذلك صار أكثرها يبوسة وأقلها غذاء وأعسرها انهضاما وانحدارا وأشدها تقوية للمعدة وحبسا للبطن. وما كان منه في البلدان المعتدلة الهواء، بلغ من النضج كماله وإن لم يصر إلى حالة يحتمل فيها أن يخزن فيبقى، ولذلك اضطر أهل بلدته إلى أن يأكلوه وهو بعد طري، ثم يجف فتفنى رطوبته الفضلية. ولهذه الجهة صارت أبدانهم تمتلئ بأخلاط نية تعرض لهم من حميات متطاولة وبرد لا يكاد البدن يسخن منه إلا بمشقة، وتعظم أطحلتهم وتغلظ وتفسد مجاري كبودهم.
وفى الجملة، إن ما كان من التمور متولدا في البلدان القليلة الحر فإنها لا تنضج ولا تعذب وأكثرها يولد (1) خلطا نيا سادا. ولذلك وجب على من أراد استعمالها أن يختار منها ما كان قليل الرطوبة خفيف الوزن، فيه عفوصة بينة ظاهرة كالقسب (2) وما شاكله لان ما كان كذلك كان دابغا للمعدة حابسا للبطن، إلا أنه من الواجب أن يمص ويرمى بثفله، ويشرب بعقبه أسكنجبين سكري أو ماء رمانين ويتمضمض بعده بنبيذ صرف.