القول في الجوز والجلوز المعروف بالبندق والجوز الهندي المعروف بالرانج ويسمى النارجيل أما الجوز فينقسم قسمة أولية على ضربين: لان منه الرطب الأخضر، ومنه اليابس الجاف. فما كان منه رطبا كان أقل حرارة وجفافا مما كان يابسا لان فيه رطوبة فضلية لم تستكمل نضجها. ولذلك نسب إلى اليبوسة قليلا، لان الرطوبة التي فيه غير طبيعية. ولسبب ما فيه من الرطوبة الفضلية لم يكن له قبض بين ولا دسومة ظاهرة ولا لزوجة. ولذلك قل إضراره بالمعدة واللهوات والحنك، لأنه صار كما لا طعم له ولا حرافة فيه يسيرة يخفى أكثرها عن الحس بها، صار له جلاء وتليين البطن اليابس، وبهذا صار أوفق للمعدة. وإذا أكل على الريق بالمري والخل، كان تليينه للبطن أكثر، لان تفهه يقل ويضعف كثيرا. وإذا أكل مع السذاب الطري، لم يصل إلى آكله من الأدوية القتالة كثير ضرر.
وأما الجوز اليابس فيكون على ضروب: لان منه اليابس الحديث القريب العهد بشجره. ومنه العتيق البعيد العهد بشجره. ومنه القديم المتوسط الزمان. فما كان منه حديثا قريب العهد بالشجر، كان فيه من بقايا رطوبته الرطب (1) بقية ما. ولذلك صار جوهره ألين ودهنيته أقل، إلا أن فيه يسيرا من القبض. فإذا تمادى به الزمان وقاربت رطوبته الفضلية الفناء، زال عنه القبض لغلبة الدهنية عليه وأسرعت (2) إليه الاستحالة إلى المرار. فإذا عتق وفنيت رطوبته بأسرها وصار جوهره دسما بمنزلة الزيت العتيق الزنخ، خرج من عسر الانهضام (1) من ردئ للمعدة سريع الاستحالة إلى المرار، ضارا بمن كان به سعال من حرارة.
وإذا أضفت جملته إلى جملة البندق، وجدت البندق أكثر غذاء لكثافة جسمه وتلززه وقلة دسمه