الباب السادس عشر في الطير أما الطير فهو في جملته، بالإضافة إلى لحم المواشي، أقل غذاء كثيرا لأنه ألطف وأسرع انهضاما، وأقل لبثا في الأعضاء، وإن كان قد يختلف في جودة غذائه ورداءته لوجوه أربعة: أحدها:
مزاج الحيوان الذي هو منه وسنه (1). والثاني: لطافته من غلظه. والثالث: خصبه من هزاله. والرابع:
اختلاف أعضائه في تركيبها ومواضعها. وذلك أن الطير يختلف في مزاجه وطبيعته على خمسة ضروب:
لان منه المعتدل المزاج القريب من التوسط والاعتدال، مثل الدجاج وبعدها الديوك. ومنه ما الغالب على مزاجه البرودة، إلا أنه مائل إلى اللطافة والاعتدال كثيرا، مثل الدراج والفراريج. وإنما نسبنا هذا الضرب من الطير إلى التوسط والاعتدال، مع ضعف حرارته وقلتها من قبل أن اللحمان في الجملة حارة بالطبع. فلما كان كذلك، صار ما كان منها ضعيف الحرارة منحرفا إلى البرودة قليلا، وكان مع ذلك لطيفا سريع الانهضام، نسب إلى التوسط والاعتدال، إذ كان بذلك أخص من غيره من الطير.
ومن الطير ما الغالب على مزاجه الحرارة واليبوسة والفساد لبعده من الاعتدال مثل العصافير ودونها في ذلك القنابر (2) والفتي من الحمام. ومنه ما الغالب على مزاجه اليبوسة مثل الشفنين (3) والورشان والفواخت (4)، وبعدها الحجل والطيهوج (5) والقطا. ومنه ما الغالب على مزاجه الرطوبة مثل البط والنعام وبعدها فراخ الحمام. فما كان منها ضعيف الحرارة مائلا إلى البرودة قليلا، قريبا من التوسط والاعتدال مثل الدراج والفراريج، كان أسرع انهضاما وأسهل نفوذا في العروق، وأقرب من الاستحالة إلى الدم، وبخاصة متى كانت قليلة الشحم معتدلة السمن، لأنها متى لم تكن مفرطة السمن كانت مقوية للمعدة، مولدة للدم المحمود، موافقة لجميع الأسنان والمزاجات، إلا أنها، للطافتها وسرعة