الباب الثاني عشر القول في الحيوان الحيوان ينقسم قسمة أولية على ثلاثة ضروب، لان منه أرضى وهوائي ومائي. وذلك أنه لا يشك أحد من الطبيعيين أن العناصر التي يتولد منها جميع الحيوان والنبات أربعة، أعني النار والهواء والماء والأرض. وأن منها عنصرين خفيفين يتحركان صعدا وهما النار والهواء، وعنصرين ثقيلين يتحركان سفلا وهما الأرض والماء. وأن لكل واحد من هذه الأربعة غايتين: غاية علوا، وغاية سفلا وحالة متوسطة بين هاتين الغايتين. وأن المرتبة العليا من العنصرين الخفيفين ألطف وأفضل وأسرع حركة إلى العلو، والمرتبة السفلى دونها في الفضل واللطافة لأنها أثقل وأبطأ حركة، والمرتبة المتوسطة آخذة من الحاشيتين بقسطها.
وأما العنصران الثقيلان (1) فإن المرتبة العليا من كل واحد منهما، وإن كانت أخف وألطف، فإنها أبطأ حركة إلى غايتها وتمامها، لان غايتها وتمامها الوصول إلى المركز، ولطافتها وخفتها تمنعانها من الهبوط بسرعة. ولذلك نسبت إلى الثقل والغلظ لأنها أبطأ حركة. وأما المرتبة السفلى منها، فإنها وإن كانت أغلظ وأثقل، فإن حركتها إلى غايتها وتمامها أسرع لأنها بثقلها تهبط بسرعة وتصل إلى تمامها وغايتها من قرب. ولذلك ما قيل أنها أفضل من المرتبة العليا وألطف لأنها أسرع وصولا إلى موضعها بالطبع. ولهذا ما صارت المرتبة العليا من العنصرين الثقيلين دون المرتبة السفلى في الفضل والشرف.
وأما المرتبة المتوسطة بين هاتين الغايتين، فآخذة (2) أيضا من الحاشيتين بقسطها. فإذا امتزجت هذه الاجزاء والمراتب بعضها ببعض واختلط الفاضل بالخسيس، والثقيل بالخفيف، والحار بالبارد، والرطب باليابس، حدث بينها هذه الألوان واختلفت المكونات على حسب مقادير الاجزاء الممتزجة في اعتدالها وزيادة بعضها على بعض، ونقصان بعضها عن بعض. فما كان منها مركبا من مواد قد غلب عليها العنصران الثقيلان (3) يكون منها المكونات اللازمة لمكانها من الأرض مثل الأشجار والنبات. وما كان منها مركبا من مواد قد غلب عليها العنصران الخفيفان (3) يكون منها الأجرام المتحركة حركة مكانية،