الباب الحادي عشر في البقول أما البقول فتنقسم في جنسها على قسمين: وذلك أن منها البري النابت في المواضع العالية المشرفة القوية اليبس، ومنها البستاني النابت في المواضع الرطبة الكثيرة الري الغريزية المياه. وما كان منها بستانيا كان غذاؤه أفضل وانهضامه أسرع، ونفوذه في العروق أسهل، إلا أنه أبعد من التشبه بالأعضاء لان الغذاء السريع التشبه بالأعضاء يحتاج إلى فضل تليين ليسهل انعقاده بسرعة.
وأما ما كان بريا فإنه بالإضافة إلى البستاني أيبس وأجف كثيرا، ولذلك صار انهضامه أعسر ونفوذه في العروق أبعد وغذاؤه أردأ، إلا أنه إذا تم انهضامه في المعدة والكبد جميعا كان إلى التشبه بالأعضاء أقرب لما فيه من فضل اليبس وسرعة القبول للانعقاد.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن البقول البرية رديئة الغذاء لأنها أشد يبسا وحرافة. ولذلك قال الفاضل أبقراط: إن ما كان من النبات والحيوان في المواضع الحارة الجافة كان غذاؤه قحلا جافا بعيد الانهضام عسير النفوذ في العروق، إلا أنه أقرب إلى التشبه بالأعضاء لما بينهما من مجانسة اليبس.
وما كان في المواضع اللينة الكثيرة الري كان أسرع انهضاما وأسهل في النفوذ في العروق، إلا أنه أبعد من التشبه بالأعضاء لما في الرطوبة الغريزية من بعد الانعقاد بسرعة بالطبع. وأما الدم المتولد من النوعين جميعا فرقيق مائي قليل البقاء في الأعضاء سريع الانحلال منها. ولذلك صار غذاؤه يسيرا مذموما. وقد يعم النوعين جميعا كثرة النفخ والقراقر وبخاصة إذا بعد انحدارهما.
ولجالينوس في البقل فصل قال فيه: وليس يصل إلى البدن من غذاء البقل إلا أقل ذلك. وأفضل البقل في توليد الدم المحمود الخس لأنه يولد دما يقرب من الدم الغريزي. ومن بعده في ذلك الملوخية وبعدها القطف والبقلة اليمانية والرجلة والحماض. وله فصل آخر في البقل قال فيه: إن ما كان من البقل في طبيعته أصلب، فإذا طبخ لان وصار أسرع انهضاما. وما كان في طبيعته هشا فإذا طبخ صلب وصار كالسيور وعسر انهضامه كالذي يعرض للكراث إذا طبخ.