القول في الماء والثلج والفقاع أما الماء فأجمع الطبيعيون أنه مركب تركيبا أوليا من طبيعتين بسيطتين وهما: البرودة والرطوبة.
ولذلك لم يمكن أن يكون مغذيا لأبداننا ولا زائدا فيها إلا أن يتركب مع غيره من الأغذية المركب تركيبا ثانيا من العناصر الأربعة التي هي النار والهواء والماء والأرض (1). وذلك أن الماء لما كان باردا رطبا لطبيعته وذاته، لا لإضافته إلى غيره، لم يمكن أن يكون فيه تغذية لما كان في مزاجه حرارة ويبوسة لمضادته لكل حار يابس، ومنافرته له بالطبع. وإذا كان ذلك كذلك لم يمكن أن يفعل فيه إلا فعل الضد في الضد. والأضداد غير زائدة بعضها في بعض، ولا مقرب بعضها لبعض، لان كل واحد منها منافر (1) لصاحبه ومفسد (2) له وينفسد منه كمنافرة الماء للنار، والبياض للسواد، وفعل كل واحد منهما في صاحبه وانفعاله منه.
ولما كان ذلك كذلك، بان واتضح أن الماء غير مغذ لأبداننا ولا زائد فيها. ومما يدل على ذلك أيضا أن الماء بسيط وأبداننا مركبة. والبسيط لا يفعل في المركب فعل المركب في المركب، ذلك لمشاكلة المركب للمركب مثله، ومخالفة البسيط له بالطبع. والمخالف غير مغذ لما خالفه ولا زائد فيه، لان التغذية إنما هي تشبه المغذي بالمغتذي لمشاكلة الغذاء له بالقوة. والماء فغير مشاكل لما في أبداننا من الحرارة واليبوسة لا بالقوة ولا بالفعل. فهو إذا غير مغذ لهما ولا زائد فيهما.
فإن عارضنا معترض وقال: فإذا كان الماء على ما ذكرت، فما حاجة الطباع إليه وهو غير مغذ للأبدان ولا زائد فيها (3) ولا مقو لها؟ قلنا له: أما الحاجة إليه فلجهتين: إحداهما: أنه مركب للغذاء وحامل له إلى جميع البدن لأنه برقته وسيلانه وانمياعه يرق الغذاء ويسيله ويسهل نفوذه في العروق وجولانه في البدن. والثانية: أنه ببرودته ورطوبته يقاوم الحرارة العرضية ويقمع حدتها ويمنع أذيتها