بالرضاع. ومنه الهرم الطاعن في السن.
فما كان من الشحم من حيوان رضيع أو حيوان حولي قريب العهد باللبن، كان أعدل حرارة وأزيد رطوبة. وما كان من حيوان فتي، كان أكثر حرارة وأقل رطوبة. وما كان من حيوان هرم، كان أبرد وأيبس كثيرا. وما كان من حيوان ذكر، كان أسخن وأيبس مما كان من حيوان أنثى.
وأما اختلاف الشحم من قبل طراه وقدمه، فيكون على ضربين: وذلك أن منه الطري القريب العهد بالخروج من الحيوان. ومنه العتيق البعيد العهد بالحيوان. فما كان منه طريا، كان أقل إسخانا وأكثر ترطيبا. وما كان منه عتيقا، كان أكثر إسخانا وأقل ترطيبا. وكلما ازداد بعدا من الحيوان وعتق، كان أكثر لاسخانه وأقل لترطيبه من قبل أن حرارة الهواء كلما تمكنت منه نشفت رطوبته وأكسبته حرارة وجفافا.
ولذلك قال جالينوس: إن الشحم العتيق أقوى حرارة وأقل رطوبة. ولذلك صار أكثر تحليلا من الحديث جدا. وقول لذيوسقريدس قال فيه: إن كل شحم أو ثرب يطول زمانه ويعتق، فإن رطوبته تقل وحرارته تزيد، وذلك مقاس في الجبن والعسل والخل لأنا نجدها كلما تعتقت وتباعدت أزمانها، قويت حرارتها وصارت لذاعة قوية على تحليل الأورام الصلبة البطيئة الانحلال والانفشاش.
وأما اختلاف الشحم على حسب ما يلحقه من الصنعة والعمل، فيكون على ضربين: وذلك أنه متى استعمل ساذجا من غير أن يخالطه غيره، كانت قوته بسيطة ساذجة تفعل على حسب طبيعة الحيوان الذي هو منه وقوته ومزاجه وسنه. ومتى أضيف إلى غيره، تركبت قوته وتوسطت بين طبيعة الحيوان الذي ذلك الشحم منه، وبين طبيعة ما يخالطه ويمازجه. ولذلك صار الشحم المملح أكثر إسخانا وتجفيفا مما لم يخالطه الملح، لان الملح يكسبه حرارة وجفافا.
في مخ العظام وأما مخ العظام، فإنه أعذب وأحلى من الشحم والدسم جميعا، لأنه متوسط بين طبيعة الشحم وغلظه، وطبيعة الدسم ولطافته. ولذلك صار أرطب جسما وأنعم من الشحم وأغلظ قواما وأكثف جسما من الدسم. ولهذه الجهة صار فعله أيضا متوسطا بين فعل الشحم وفعل الدسم.
في الدماغ أما الدماغ، فإنه وإن كان في طبيعته حارا رطبا لأنه من جنس الشحم والمخ، فقد وقع له أن كان بالعرض باردا، ذلك لكثرة ما يصل إليه ويناله من برد الهواء المطيف بالرأس لقلة ما على عظم الرأس