القول في المرارة قال إسحاق: من عادة الأوائل، إذا قالوا المرة مطلقا، أن يعنوا بها المرة الصفراء، وهو بين عند الخاص والعام أنها أحر الأخلاط وأقوى تجفيفا، إلا أنه قد يختلف في ذلك ويلحقها الضعف والقوة، والزيادة والنقصان بحسب طبيعة الحيوان الذي هي منه ومزاجه. فما كان منها من حيوان أضعف حرارة، كان أقل حدة وحرارة وأضعف يبسا. وأما البرودة والرطوبة فإنهما (1) لا تضافان إلى المرة ولا تنسبان (2) إليها أصلا، لان من الممتنع وجود مرة باردة أو رطبة. وقد يستدل على اختلاف المرة من كل حيوان من لونها ومزاج حيوانها. وذلك أن لونها يكون على ضروب: لان منه الأحمر، ومنه الأصفر، ومنه الزعفراني، ومنه الاسمانجوني (3)، ومنه الباذنجاني.
فما كان منها أحمر دل على اعتدال مزاج حيوانه وتكافؤ الأخلاط فيه، وقوة حرارته الغريزية بالطبع. وما كان منها أصفر دل على غلبة الرطوبة على مزاج حيوانه، إما لضعف (4) الغريزية ونقصانها، وإما لكثرة الدعة والسكون، وإما لكثرة الشبع والري، لان ذلك مما يفيد الأبدان رطوبات فضلية إذا خالطت المرة أكسبتها بياضا، ولذلك صار لون المرة من الإناث والخصيان من كل حيوان، وفي القريبي العهد بالولادة، أعني الأطفال أقل حمرة وأميل إلى الصفرة لغلبة الرطوبة على مزاج من كان كذلك بالطبع. وما كان من المرة أسمانجونيا دل على حرارة قوية إما من حدة المزاج، وإما لدوام الرياضة والتعب، وإما لادمان الصوم وكثرة العطش، لان ذلك مما يفيد الأبدان حرارة وجفافا ويحمي المرة الحمراء ويجاوز بحرارتها المقدار (5) الطبيعي، ومن قبل ذلك صار الأغلب على لون مرة الفحل والفتي من الحيوان الاسمانجونية لغلبة الحرارة على مزاج من كان كذلك بالطبع. وما كان من المرة زنجاريا أو