في الفلفل والدار فلفل أما الفلفل فهو نبات ينبت بأرض الهند، له أصل شبيه بالقسط وقضيب مستطيل مدمج أجرد ليس له ورق ويسمى وهو بهذه الحال الدارفلفل، ثم يخرج في تجويفه وتخلخله حب صغير مثل حب الجاورس.
فإذا استحكم نضجه وتفرقت أجزاء القضيب، وصار كعنقود في جوفه حب مستدير وهو الفلفل. فمنه ما نجني وهو بعد غض حصرمي غير كامل النضج. وأكثره لا يجنى إلا بعد كمال نضجه وإدراكه. فما جني منه وهو بعد حصرم غير كامل النضج كان لونه أبيض وسطحه أملس، وشكله مدحرج مستدير، وتعرفه العامة بالفلفل الأبيض. وأما الفلاسفة من المتطببين فتعرفه بحصرم الفلفل. وما جني منه بعد كمال نضجه، كان لونه أسود وسطحه خشن متكرج فيه تدريج وهو الفلفل المشهور المستعمل في الطعام.
والأبيض من هذين الصنفين هو أقلهما حرارة وحرافة وأكثرهما هضما، وذلك لفجاجته وغلبة الأرضية عليه. ولذلك صار ألين مذاقا وأشد تقوية للأعضاء.
ولهذه الجهة اختارته الأوائل في ما كان من الأدوية التلطيف والتقطيع فيه أكثر، لان الأبيض يسخن في أول الدرجة الرابعة، ويجفف في آخرها والأسود يسخن في وسط الدرجة الرابعة ويجفف في أولها.
ومما يستدل به على نقصان حرافة الأبيض عن حرافة الأسود، ليانة مذاقه وسهولته على حاسة الذوق. وأما جالينوس فذكر، في كتاب العقاقير البسيطة، أن الفلفل أشد حرافة وأقوى حرارة من الأسود. وما أحسب أن هذا إلا غلط من الناقلين أو تصحيف من الوراقين. وأما جالينوس فقد علمنا أن جميع الثمار في أول ابتداء كونها وقبل كمال نضجها، فالأرضية والقبض أغلب عليها. فإذا تم نضجها وكمل، زال ذلك القبض عنها، وانتقلت إلى ما هو لها بالطبع من حرارة أو مرارة أو حرافة أو غير ذلك. والقبض فغير مشكوك فيه أنه دليل على الأرضية وضعف الحرارة فيما كان في طبعه حارا، وعلى الأرضية وزيادة البرودة فيما كان من طبعه باردا. وإذا كان كذلك وكان الفلفل الأبيض غضا غير كامل النضج فلا محالة أن الأرضية وضعف الحرارة عليه أغلب، وإلا فالامر بخلاف ذلك وضده، أعني أن ما كان من الثمار