القول في الباقلي الباقلي في طبيعته مائل إلى البرودة، إلا أن أنواعه غير متفقة في الرطوبة واليبوسة، لان منها ما الغالب عليه الرطوبة، ومنها ما الغالب عليه اليبوسة. وذلك أن أنواعه تكون على ضربين: لان منها ما هو رطب طري لم يستكمل نضجه حسنا على نباته. ومنها اليابس المستحكم النضج والجفاف على نباته.
فما لم يستكمل نضجه على نباته، فهو بارد في وسط الدرجة الأولى، رطب في آخرها، من قبل أن فيه رطوبة فضلية غليظة لم يكمل انهضامها وانعقادها، ولم تتشبه بجوهرية الباقلي. ولذلك صار غذاء هذا النوع من الباقلي أقل وأميل إلى الرطوبة الغليظة السريعة الانحدار العسيرة الانهضام. والسبب في قلة غذائه أن أكثر جوهره يستحيل فضولا لغلظ رطوبته وفجاجتها، وبعدها من جوهرية الغذاء. وأما سرعة انحداره عن المعدة، فلما فيه من كثرة الرطوبة الفضلية وقوة الجلاء. ويستدل على جلائه من عذوبته، وإن كان ذلك فيه أقل من اليابس. ومن خاصيته أنه يولد في كل البدن فضولا غليظة مائلة إلى الرطوبة النافخة الاسفنجية، ويحدث رياحا نافخة في أعلى البطن. ولذلك صار إضراره بالمعدة بينا قويا.
وأما ما قد استحكم نضجه وجفافه على نباته، فإنه بارد في أول الدرجة الأولى، يابس في وسطها، له جوهر قريب من الدم المحمود، لان الدم المتولد عنه غير مذموم. وغذاؤه أكثر من غذاء الشعير بالعرض لا بالطبع، وذلك لجهتين: إحداهما: غلظ جوهره وبعد انحلاله من الأعضاء، ولطافة جوهر الشعير وسرعة انحلاله من الأعضاء. والثانية: أنه لكثرة رياحه وغلظها، ينفخ اللحم ويزيد في سعة موضعه، ويفعل فيه فعل الخمير في العجين. وذلك أن جسمه سخيف متخلخل الوزن، ولذلك لا يمكن أن يتولد عنه لحم كثير كثيف ملزز كما يتولد من الحنطة واللحمان وبخاصة لحم الخنزير والخراف. لكنه يولد لحما منفوشا منفوخا، ولهذه الجهة صار كثيرا ما يتولد عنه في أعلى البطن رياح غليظة نافخة يترقى منها دائما بخارات متصاعدة إلى الرأس تضر بالدماغ، ويولد أحلاما رديئة فاسدة.
ولما كانت هذه الأفعال فيه طبعا، لم يمكن إزالتها عنه ولو عولج بأصناف العلاج وطبخ غاية الطبخ. ولذلك قال جالينوس: أن الباقلي لو طبخ غاية الطبخ، لم تذهب عنه رياحه ونفخه كما يذهب