القول في الرمان أما الرمان فهو إلى الدواء أقرب منه إلى الغذاء، لان الغذاء المتولد عنه، وإن كان محمودا فاضلا، فإنه يسير جدا لا مقدار له عند الطباع. ذلك لرقته ولطافته وسرعة انحلاله. ولذلك صار غذاؤه أقل من غذاء التفاح كثيرا، لان له أربعة أجزاء هو مركب منها كلها قابضة: أحدها: قشره، والثاني:
شحمه، والثالث: رطوبته، والرابع: حبه. وأكثرها قبضا حبه، وأما مائيته فهي في الجملة بالقول المطلق باردة إلا أنها (1) تختلف في يبسها ورطوبتها وقوة بردها وقربها من الغذاء وبعدها منه على حسب طعم التفاح والسفرجل والكمثرى، لان منه العفص، ومنه القابض، ومنه الحامض، ومنه المز، ومنه الحلو ومنه التفه. ولذلك قوامها يختلف على ضروب: لان منها الرقيق الكثير المائية، ومنها الغليظ القليل المائية، ومنها المتوسط بين ذلك. فما كان منها عفصا أو قابضا لم يكد أن يستعمل على سبيل الغذاء أصلا، لأنه لا ينساغ للحاسة ولا تغلبه لخشونته وعفوصته وجفافه وقلة لذاذته. ولذلك صار هذا النوع من الرمان إذا قشر أعلاه بسكين ودق شحمه وحبه وعصر ماؤه وشرب بشراب أو ببعض الأشربة الملينة، عصر أعلى المعدة وأحدر ما فيها من الرطوبات العفنة وبخاصة الرطوبات المرية (2) لأنه يفعل فيها فعل الإهليلج (3) الأصفر والعفص الطري. ثم يقوي المعدة من ذلك ويدفعها من غير أن يضر بعضها لان عفوصته لطيفة تفعل رويدا رويدا من غير عنف على الحاسة. ولهذه الجهة صار نافعا من الحميات المتطاولة المتولدة عن عفونة الأخلاط ومن الحكة والجرب المتولد عن عفونة البلغم المالح.
وأما الحامض فإنه وإن كان أقل غذاء من التفاح والسفرجل والكمثرى، فإنه للطافة رطوبته ورقتها وقربها من قوام الماء، صار ألذ طعما (4) وألطف وأعدل غذاء لأنه أغزر مائية وأرطب وأخف على