أعني بذلك سرعة انهضامه وبطئه وجودة غذائه ورداءته وملاءمته لمزاج بدن المغتذى به، أو مخالفته له، لأنا متى فعلنا ذلك، ووقفنا على حقيقة ما شرطنا، اتضح لنا لم صار الغذاء الواحد موافقا لبعض الناس، ومخالفا لغيرهم، ومسهلا للبطن في قوم وحابسا لها في خلافهم. ولم صار العسل سببا للصحة في قوم، وعلة للمرض في قوم.
وأنا مبتدئ ببيان ذلك. وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب.
* * * القول في طبائع الأبدان أما طبائع الأبدان فمختلفة (1) لثلاثة وجوه: أحدها: من خلقتها وتركيبها. والثاني: من طبائعها وأمزجتها. والثالث: لحال تعرض للمعدة في بعض الأوقات خارجة عن المجرى الطبيعي.
فأما اختلاف الأبدان في تركيبها فيكون على ضربين: وذلك أنه لا بد لكل بدن من أبدان البشر من أن يبرز، من فم المرارة التي فيه، مجرى ينشعب شعبتين: إحداهما: أعظم من الأخرى، وأعظم الشعبتين بالطبع من شأنها في أكثر الناس ان تصير إلى المعاء وتقذف فيه بأكثر المرار المنحدر عن المرارة لتقطع ما يصل إلى المعاء من ثفل الغذاء. ويهيج المعاء إلى دفع ما يجتمع فيها من الأثفال.
وأصغر الشعبتين يصير إلى فم المعدة ويقذف فيه من المرارة مقدارا معتدلا ليعين إلى هضم الغذاء ويجلو ما يجتمع في المعدة من الرطوبات الغليظة، وربما انعكس ذلك في بعض الناس حتى تكون أصغر الشعبتين هي التي تنحدر إلى المعاء فيكون الناس (2) ينصب إليه من المرارة مقدارا أقل حتى يضعف فعله هناك. ويغلب على الموضع البلغم ويغلظ فيه، ويغلب لون البلغم على لون البراز ويبعد انحدار الأثفال بسرعة، ويخالف خروجها في أوقاتها الطبيعية، ويعرض لمن كانت هذه الحالة، في أكثر الحالات، القولنج العارض من البلغم الغليظ، ويكثر في أمعائهم الدود وحب القرع والحيات الطوال.
ويصير أعظم الشعبتين إلى فم المعدة ويقذف فيه من المرار مقدارا أكثر حتى يعرض كثيرا، لمن كانت هذه حاله، فساد ما يتناول من الطعام اللطيف السريع الانهضام، ويحسن استمراؤه لما يأخذ من الطعام الغليظ يقاوم فعل المرار الكثير لثقله وبعد انقياده من غير أن يستحيل أو يتشكل بشئ من المرار حتى تتمكن منه الحرارة الغريزية وتحتوي عليه وتستكمل فعلها فيه، فيجود هضمه ويحسن استمراؤه.