الرطوبات ونفع منفعة بينة قوية. وإذا طلي على لثة الأطفال عند خروج أسنانهم، سكن الألم العارض فيها وسهل خروج الأسنان بسرعة بتليينه وترطيبه لها. وقد يفعل الدماغ والنخاع مثل ذلك أيضا، غير أن الدماغ يحتاج أن يخلط معه شئ من ملح كيلا يغثي.
وإذا طبخ الزبد وزال ما فيه من بقايا رطوبة اللبن وصار سمنا، صار (1) فعل دهنيته ولزوجته أظهر وأقوى على تحليل الأورام الجاسئة وتليين خشونة الأعضاء. ولذلك صار مضرا بالمعدة لأنه يلين خشونتها ويفسد خاصتها التي يقوى بها على هضم الغذاء، إلا أنه نافع من القلاع العارض لأفواه الصبيان. وأما سمن البقر والماعز، فإنه إذا شرب مع العسل، نفع من شرب السم القاتل ومن لدغ الحيات والعقارب.
القول في الإنفحة كل إنفحة فيها الحرارة الغريزية وحرارة عرضية مكتسبة من العفونة المتولدة من حركة الحيوان التي هي منه كاكتساب الثلج الحرارة من الهواء، تتولد منه فيه العفونة والدود. ولذلك صار للإنفحة قوة محللة ملطفة مجففة. وإنفحة الأرنب خاصة فيها قوة بها تقطع دم الطمث وتنفع من نفث الدم. وإذا شرب منها بالعسل والطلاء والخل حللت اللبن المتجبن في المعدة، وإذابة الدم الجامد في البطن. وإذا شرب منها وزن قيراط بطلاء مطبوخ، نفعت من لدغ الحيات والعقارب وسائر الهوام. وأما إنفحة الخيل فنافعة من الاسهال المزمن والعلة المعروفة بدسنطاريا. وأما إنفحة الحمير والظباء والجدي، فإنها إذا شربت بخل، نفعت من الجبن.
القول في الجبن الجبن في جملته مذموم جدا لأنه ثقيل في المعدة بطئ الانهضام مخصوص بتوليد القولنج وحجارة الكلى، وإن كان ذلك قد اختلف فيه. ويعقل ويلين بحسب اختلاف أنواعه وأجناس حيوانه الذي يكون منها. واختلافه في أطراف القدم والتوسط بين ذلك وذلك أنه يختلف بدءا على ثلاثة ضروب: لان منه الرطب الطري الذي يؤكل ليومه أو قريبا من ذلك، ومنه العتيق اليابس، ومنه المتوسط بين ذلك.
فأما الرطب منه فهو أقل أنواع الجبن حرارة وأبعدها من الحدة وأقواها من البرودة والرطوبة في الدرجة الأولى، وذلك لما فيه من بقايا رطوبة اللبن ومائيته. وما كان من الجبن كذلك وكان بغير ملح، كان وسطا بين غذاء اللبن والجبن. ولذلك صار غذاؤه أكثر من غذاء غيره من الحيوان وأزيد في اللحم