في الدار فلفل أما الدارفلفل فحرافته دون حرافة الفلفل كثيرا، إلا أن حرارته في الدرجة الثالثة. وأما الرطوبة فليس هو بمنسلخ منها لان فيه رطوبة نية فضلية، بها صار رطبا في الدرجة الأولى. ولذلك صار لا يفعل في حاسة الذوق مع المباشرة كما يفعل الفلفل، لان الرطوبة تغلظه وتمنعه من النفوذ في المسام بسرعة. ومن أجل ذلك لم يمكن أن يخرج فيه من القوة إلى الفعل إلا عن بعد (1). ويدل ذلك على أن الذائق له لا يجد له في الابتداء لذعا دون أن يلبث على اللسان مدة يمكن فيها وصوله إلى الحاسة، إلا أن حرارته بعد ظهورها وخروجها إلى الفعل تلبث في اللسان مدة ليست باليسيرة، لان رطوبته تحفظ الحرارة وتمنعها من التلاشي والانطفاء بسرعة، لأنها تقوم للحرارة مقام الغذاء للمغتذي. وذلك مقاس من الشاهد لأنا نجد أن (2) النار خارجا لا تتشبث بالحطب الرطب سريعا ولا تشتعل فيه إلا بعد مدة. فإذ اشتعلت، لبثت زمانا أطول لمقاومة رطوبة الحطب لها ومنعها إياها من إحراق الحطب بسرعة. وأما الحطب اليابس فليس كذلك لأنا نجده تشتعل النار فيه في أسرع مدة وأقرب وقت، ثم لا تلبث إلا قليلا حتى تتلاشى وتصير رمادا وتنطفئ النار من قرب لأنها لم تجد في الحطب رطوبة تقاومها وتحفظ الحطب من سرعة الاحتراق والتلاشي، ولذلك صار في الدارفلفل قوة تلبث في المعجونات والترياقات وتحفظها من الفساد بسرعة.
ومما يدل على رطوبة الدارفلفل أيضا ما نجده من ليانة طعمه وسهولته على الحاسة لضعف حرافته وقلة تلذيعه وبعده من النفوذ في المسام بسرعة. ولذلك صار أكثر معونة على الهضم والتقوية على الجماع وطرد الرياح من المعدة والأمعاء. ومما يدل على أن رطوبة الدارفلفل نية فضلية، سرعة تآكله وقبوله للسوس. ومن البين أن التآكل والسوس لا يعرضان لما كانت رطوبته طبيعية مشاكلة لجوهريته، ولا لما كان يبسه خالصا محضا، بل إنما يعرضان لما كانت رطوبته نية غير منهضمة لأنها خارجة عن الطباع.
* * *