برده وأفاده حرارة لطيفة، إلا أن يكون بدن المستعمل له قوي الحرارة جدا، فيكون الماء البارد له أوفق من الشراب لمقاومة حرارة مزاجه ولبرودة الماء.
ولجالينوس في هذا قول قال فيه: ومن كان مزاج بدنه حارا بالطبع أو من السن، فالماء البارد له أوفق من الشراب. فإن احتاج في حال من الأحوال إلى شرب الشراب، فليقصد منه ما كان أبيض (1) صافيا رقيقا معه شئ صالح من القبض. ففي هذا دليل على فضيلة الشراب على الماء إذا كان مصلحا لفساده ودافعا لأذيته وداثرا لغوائله وأدوائه. وما كان من الشراب مع بياضه حلوا، كان في سرعة انهضامه وانحداره متوسطا بين الشراب الأبيض الرقيق المائي وبين الشراب الأبيض القابض. ولذلك صار أكثر تغذية للبدن وأطلق للبطن، إلا أنه أضر بالمعدة لتوليده الرياح والنفخ، وإن كان ذلك فيه قليلا لضعف حلاوته ورقة قوامه، لان الحلاوة لا تكاد تأتلف مع الشراب الأبيض الرقيق، وإن أمكن ذلك لم تكد تكون إلا يسيرة ضعيفة.
* * * في الشراب الأسود أما الشراب الأسود فالأخص به غلظ القوام وثقل الحركة. ولذلك صار أعسر انهضاما وأبطأ انحدارا وأبعد من الترقي إلى الرأس وأكثر غذاء لأنه يملا العروق دما غليظا بعيد الانحلال من الأعضاء.
ولجالينوس في ذلك قول قال فيه: وإني لأعرف قوما كانوا يتعاطون الصراع دائما ويتغذون بهذا النوع من الشراب ويقتصرون عليه يريدون به خصب أبدانهم فكانت أعضاؤهم تنال (2) منه من الغذاء ما يقرب من غذاء لحم الضأن. ولذلك صار من الأفضل للشبان أن يشربوه قبل الطعام. وأما المشايخ فهو غير موافق لهم لا قبل الطعام ولا بعده، ولا في حال من الأحوال، لأنه لضعف حرارتهم الغريزية، صار إذا أدمنوا عليه ولد فيهم سددا وحجارة في الكلى، إلا أن يكون على ضروب، لان أكثره يكون حلوا، وكثيرا ما يكون قابضا. وربما كان قابضا حلوا معا. وليس يكاد يكون صلبا بل لا يكون أصلا.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: وليس لما كان كل الشراب خالص الحلاوة لا محالة أسود، وجب أن يكون كل شراب أسود لا محالة حلوا، لأنا قد نجد من الشراب الأسود ما يكون حلوا. ومنه ما يكون قابضا. ومنه ما يكون حلوا قابضا معا. فما كان منه حلوا، كان أزيد لحرارته وأكثر لغذائه وأسرع لانحداره وأعون على إطلاق البطن وحبس البول وأخص بتوليد الرياح والنفخ والقراقر. وما كان منه