ويضر بحجب الدماغ ويفرغ الذهن فرغا مؤذيا لقوة حدته وحرافته وإفراط تجفيفه. وأما الثاني الحديث فلما فيه من فضل الرطوبة وضعف الحرارة وبقايا الغليان والتثوير، صار كثير توليد الأحلام الفاسدة المذعرة والاخلاط الرديئة والرياح النافخة المضرة بالمعدة المانعة درور البول.
ولجالينوس في قوة الشراب الحديث والمتقادم والمتوسط من ذلك قول قال فيه: ينبغي أن نفهم عن هذه الجملة في الشراب، وإن اختلفت أجناسه، ونعلم أن الحديث منه والمتوسط بين العصر والخمر، وان كان حارا (1)، فان حرارته لا تتجاوز الدرجة الأولى، والذي قد بلغ في القدم النهاية وجاوز السبع سنين إلى الأربع والخمس (2) فحرارته في الدرجة الثالثة. وكلما ضعفت حرارة الشراب قل يبسه وزادت رطوبته. وكلما قويت حرارته كثر يبسه ونقصت رطوبته.
وقد تختلف أصناف الخمور المخمورة اختلافات أخر من وجوه خمسة: أحدها: من ألوانها، والثانية: من طعومها، والثالثة: من روائحها، والرابعة: من مواضعها، والخامسة: من قوامها. ولما كان الكلام على هذه الفضول، وهي من البسائط المفردة، غير الكلام عليها وهي مركبة، وكان البسيط أسبق من المركب بالطبع، رأينا أن نقدم الكلام عليها وهي بسائط، قبل الكلام عليها وهي مركبة، ليكون ذلك أوضح وأزيد في الدلائل. ولا قوة الا بالله.
* * * في ما يلحق الشراب من الاختلاف من قبل ألوانه أما ألوان الشراب فتنقسم قسمة أولية على أربعة ضروب: اثنان منها بسيطان وهما: الأسود والأبيض، واثنان مركبان (3) من هذين البسيطين وهما: الأحمر القاني والأصفر الذهبي، وإن كان قد توسط من هذه الوسائط وهذه الأطراف وسائط أخرى مثل الأشقر والمورد المتوسطين (4) بين الأحمر والأبيض، والخوصي (5) والأبيض الخمري المتوسطين بين الأصفر الذهبي وبين الأبيض على الحقيقة. وتدل على ذلك التجربة والحس من قبل أنا نجد الشراب إذا كان من عنب أبيض يكون في ابتداء أمره أبيض (6) خالصا محضا لغلبة المائية عليه وقلة الطبخ فيه وضعف حرارته الغريزية. فإذا تقادم وجاوز السنة وتوسط طبخه وقويت حرارته قليلا، قلت رطوبته واستفاد لونا أبيض (6) خمريا. فإذا ازداد تقادما جاوز