السنتين، ازدادت حرارته قوة ورطوبته قلة، وصبغه زيادة وصار خوصيا. فإذا عتق وجاوز الأربع سنين وتم هضمه، كملت حرارته وقوي صبغه وصار أصفر (١) زعفرانيا وان كان الشراب من عنب أحمر، كان في ابتداء أمره قريبا من البياض لغلبة المائية عليه وضعف طبخه ونقصان حرارته. فإذا تقادم قليلا وجاوز السنة وتوسط طبخه، قلت رطوبته وقويت حرارته واستفاد لونا وصار (٢) موردا. فإذا ازداد تقادما وجاوز السنتين وتم طبخه، ازدادت حرارته قوة ورطوبته قلة وصبغه زيادة وصار أشقر. وان كان الشراب من عنب اسود، كان في ابتداء أمره كمد اللون حالك السواد لغلبة الأرضية عليه وضعف طبخه ونقصان حرارته. فإذا تقادم قليلا وجاوز السنة، قويت حرارته وتوسط طبخه وامتازت أجزاؤه وطلبت (٣) ترابيته السفلى بالطبع، واستفاد رقة وصفا متوسطا (٤) بين الأحمر والأسود. وإذا ازداد تقادما وجاوز السنتين، ازدادت حرارته (٥) وكمل هضمه ورسبت أرضيته وترابيته ورق لونه وصفا وصار أحمر (٦).
ففي هذا دليل واضح على أن الشراب الأبيض والأسود أقل ألوان الشراب حرارة وأميلها إلى البرودة، وان كان الأبيض أخص بالرطوبة من الأسود للطافة <الأبيض> وغلبة المائية عليه، وغلظ الأسود وغلبة الأرضية عليه. وقد يستدل على ذلك من عفوصة الأسود وقوة قبضه وتفاهة الأبيض وقربه من طعم الماء. ولذلك قال جالينوس: وليس يكاد يوجد شراب غليظ قابض الا الأسود أو <ما هو> قريب من السواد، ولا شراب (٧) رقيق مائي الا الأبيض أو <ما هو> قريب من الأبيض. ولهذه الجهة صار الأبيض ألطف وأرق وأقل احتمالا للمزاج، وأخف على الحاسة وأسرع انهضاما وانحدارا ونفوذا في العروق ودرورا (8) للبول، الا انه أقل غذاء، ذلك لخفة حركته وسرعة انحلاله من الأعضاء وقلة لبثه فيها. ومن قبل ذلك صار ترقيه إلى الرأس أسرع وسكره أقل وانحلال خماره أقرب وأسهل. وأما الأسود فحاله بخلاف ذلك وعكسه، لأنه أغلظ وأعسر انهضاما وأبعد سلوكا في العروق وأمنع من درور البول وأكثر غذاء لثقل حركته وطول لبثه في الأعضاء وبعد انحلاله منها. ولذلك صار ترقيه إلى الرأس أعسر.
فإذا ترقى، كان سكره أكثر وانحلال خماره أبعد.
وأما الوسائط التي بين هذين اللونين فلبعدهما من الحاشيتين، أعني من مائية الأبيض وأرضية الأسود، صارت حرارتها أقوى وأزيد، لأنها مكونة من السواد والبياض والحرارة الفاعلة منهما والمركبة لهما، الا أنها تختلف في ذلك وتضعف وتقوى على حسب قرب كل واحد منهما من الوسط وبعده من