في الزعفران أما الزعفران (1) فقال بعض الأوائل وذكر فيه أنه حار يابس في الدرجة الثانية. وأنكر جالينوس ذلك على من قاله. وزعم أن حرارته في آخر الدرجة الأولى، ويبسه في وسطها. وصير دليله على ذلك قوة قبضه، وقال: إن كل قابض فالبرودة والأرضية عليه أغلب. ولكن لما كان الأغلب على الزعفران الكيفية الحارة لما فيه من العطرية والمرارة، وجب أن يكون في جملة جوهره مسخنا مجففا في الدرجة الأولى. ولذلك صار فيه بعض الانضاج، من قبل أن كل ما كان من الأدوية إسخانه ضعيفا، وفيه مع ذلك شئ من القبض، فإن قوته قوة تغري وتلحج (2). ومن البين أن كل ما يغري ويلحج فإسخانه ليس بالقوي، فهو من الأدوية المنضجة. وما كان كذلك، كان محللا للأورام مفتحا لسدد الكبد والعروق، نافعا من عسر النفس، مقويا للأعضاء الضعيفة لما فيه من القبض. وإذا تحملته المرأة أو خلط مع ضمادات الأرحام، نفع من أوجاع الأرحام. وإذا شرب طبيخه مع أصله، أدر البول وهيج الشهوة للجماع. وزعم بعض الأوائل أنه إذا خلط مع المراهم وجعل منه في المقعدة، هيج الجماع، غير أن الاكثار من شربه، والادمان عليه مذموم (3)، لان فيه كيفية تملأ الدماغ والعصب وتضر بهما إضرارا بينا.
ومن قبل ذلك صار مفسدا لشهوة الطعام وذلك لجهتين: إحداهما أنه لاضراره بالعصب يفسد حس المعدة الذي به يميز الشهوة للغذاء. والثانية أنه يضعف حس المعدة بالحموضة التي تأتي إليها من الطحال لتنبيه الشهوة للغذاء. ولذلك قصدت الأوائل الزعفران في ترياق الفاروق وما شاكله من الترياقات، لأنها أرادت أن تضعف حس المعدة عن قبول السم عن الأدوية المسمومة، وإن كان دابغا للمعدة ومقويا لها ولسائر أعضاء البدن الضعيفة لما فيه من قوة القبض. ولهذه الجهة صار إذا حمل منه على العين أو اكتحل به