الباب السادس لم صار لبعض الثمر نوى ولبعضه قشر قال المؤلف لهذا الكتاب: قد بان من قوة كلامنا مرارا أن غذاء الأشجار وسائر النبات من العناصر الأربعة، لان الرطوبة المغذية لها لا تنفك من جوهر أرضى ثقيل، وجوهر مائي سيال، وجوهر هوائي خفيف، وجوهر ناري لطيف. وهذه الجواهر ربما تساوت في الرطوبة المغذية لبعض الثمار، وربما اختلفت في بعضها.
فإذا كان الغالب على الثمرة الجوهر الأرضي الغليظ ووافى رطوبته رقيقة مائية، غاص بثقله، في باطن الرطوبة، وانعقد هناك وكان منه نوى الثمرة. ولما كان كل غذاء لا بد له من جوهر دسم روحاني يكون فيه ليولد النبات، غاص ذلك الدسم مع الجزء الأرضي إذ كان مكانه ومركزه، وسكن في باطن النواة كما يغوص المخ ويسكن في عظم الحيوان. ولذلك صار كل نبات لثمره نوى، فتولده يكون من نواة لان الجوهر الدسم الروحاني الذي في باطن النوى يقوم للنبات مقام النطفة في الحيوان.
فهذا سبب النوى في الثمرة، وتولد النبات والشجر من النوى.
فأما ما ليس له من الثمر <نوى> (1)، فإن السبب فيه الجزء الأرضي الذي فيه الرطوبة المغذية للثمرة إذا خالطه شئ من الجزء الهوائي اللطيف، صيره خفيفا عواما. فإذا وافى رطوبة لزجة غليظة، منعه غلظ الرطوبة من الغوص في باطنها، وعام بما فيه من الجزء الهوائي الخفيف، وصار إلى أعلاها وانبسط في ظاهرها وجف بحرارة الشمس، وصار قشر الثمرة، وانتشر الجزء الدسم الروحاني الذي منه يكون تولد النبات في جملة الثمرة، لما عدم الجزء الأرضي الذي هو مسكنه ومركبه. ولذلك صار كل نبات يكون لثمره نوى، فمن ثمره يكون نباته. وكل نبات لا يكون لثمره نوى، يكون له قشر يحفظ الجزء الدسم الروحاني في باطن الثمرة، فمن الثمرة نفسها يكون نباته. وما لم يكن لثمره نوى ولا قشر يحفظ الجزء الدسم الروحاني في باطنه، فمن أصله وقضبانه يكون نباته، وإن كان ما له ثمر من الأشجار قد يتولد أيضا من أصله وأغصانه، وذلك أن أغصانه وأصله غير معراة من الجزء الدسم الروحاني، لان