في الهندباء أما الهندباء فهو على ضربين: لان منه الريفي، ومنه البري المعروف بالطرخشقوق (1). فأما الريفي فمؤلف من قوى مختلفة لأنه مركب من مرارة وعفوصة وتفاهة، إلا أنه على ضربين: لان منه الشتوي ومنه الصيفي. فأما الشتوي فإن التفاهة على طعمه أغلب، لأنه أقل مرارة وعفوصة لفضل برد الزمان ورطوبته. ولذلك صار ورقه أنعم وأرطب وأعرض وأشبه بورق الخس الريفي، إلا أنه دون الخس في اللذاذة، لان فيه خشونة ومرارة يسيرة. ولذلك صارت برودته في آخر الدرجة الأولى أو في أول الثانية.
وأما الرطوبة فإن قوما وصفوه بها ونسبوه إليها لاكتسابه ذلك في الماء. وأما عند البحث والامتحان، فإن الذي يظهر منه أنه إلى اليبس أميل لمرارته وعفوصته.
ومن فعله على سبيل الدواء أنه إذا عمل منه ضماد (2) على المعدة، قواها ونفع من الخفقان الصفراوي. وأما الصيفي فإن في مرارة طعمه وخشونة ورقه دلالة بينة على أن برودته أقل ويبسه أكثر، كأن برودته في أول الدرجة الأولى ويبسه في وسطها. ولذلك صار الدم المتولد عنه أذم وأردأ من الدم المتولد عن الشتوي. ولجالينوس في هذا فصل (3) قال فيه: إن ما كان من الهندباء والخس أشد مرارة وأكثر خشونة، فإنه على سبيل الغذاء أذم لان الدم المتولد عنه أقل جودة. وأما على سبيل الدواء فإنه أفضل لأنه أكثر تقوية وأشد تفتيحا للسدد، وبخاصة سدد الكبد. فإذا سلق هذا النوع من الهندباء وأكل بالمري والزيت كان أقل لضرره. وإذا أكل بعد سلقه بالخل، كان أكثر لتقويته للمعدة وحبسه للبطن. وإذا عصر ماؤه وأغلي ونزعت (4) رغوته وشرب بسكنجبين، فتح السدد ونقى الرطوبات العفنة ونفع من الحميات المتطاولة.