في الفطر أما الفطر فبارد رطب في الدرجة الثالثة، ويدل على ذلك ليانة جسمه ورخاوته وتفاهة طعمه وقبوله للطعوم كلها بالسواء، إلا أنه على ضربين: لان منه ما يكون قتالا، ومنه ما ليس بقتال. والذي ليس بقتال فإنه، وإن كان أقل خطرا، فإن فيه رطوبة غليظة لزجة بعيدة الانحلال والانقياد لفعل الطبع، بها صار مذموما أيضا قريبا (1) من الخضرة، لان الخلط المتولد عنه إذا نضج وكمل انهضامه، كان أغلظ من الخلط المتولد عن الكمأة التي لم يستحكم هضمها، لأنه أغلظ وأكثر لزوجة وأبعد من قبول الاستمراء.
ومن قبل ذلك صار اجتنابه في الجملة أفضل. والأصلح لمن أراد استعماله واحتمال ضرره أن يسلقه بماء قد جعل فيه كمثرى طري أو يابس وفودنج جبلي أو بري، ويرمى بمائه الذي سلقه به، ويطبخه بماء ثان ويطيبه ببعض الأبازير الحارة الحريفة الملطفة للغلظ مثل الفودنج والصعتر والفلفل والزنجبيل، ويشرب بعده نبيذا صرفا أو مصرفا (2) أو سكنجبينا ساذجا أو سكنجبينا عنصليا على حسب طبيعة المستعمل (3) لذلك في حرارة مزاجه وجفافه، أو برودته ورطوبته. ومن كان مزاجه باردا فلا بأس أن يستعمل، بعد أكله، الزنجبيل المربى وجوارشن الكمون وجوارشن الفلافل وترياق الفاروق، وإن كان من الواجب أن يتوقى الاكثار منه أصلا.
وأحده قبل استحكام نضجه على ما وصفنا يولد أحد أمرين (4): إما أن يلين خمل المعدة بلزوجته وإزلاقه ويحدث العلة المعروفة بالهيضة، فيكون أسلم له وأبعد من أذيته. وإما أن يبطئ انهضامه ويعسر انحداره، فيثقل على المعدة ويضغط فمها المعروف بالفؤاد الأصغر، فيحدث غشيا وعسر نفس وعرقا باردا. وإذا صار المرء إلى مثل هذا فبكد ما يبرأ إلا أن يستعمل القئ بالأشياء الملطفة للفضول الغليظة