والمزاج والعادة والاحتمال ومزاج الهواء الحاضر. ولذلك صار من الأفضل أن يحذره من كان مزاجه محرورا بالطبع أو محرورا (1) بالعرض إلا بالمزاج الكثير الرقيق ليكسر قوته ويزيل عنه أكثر حدته وصلابته ويفيده لذاذة وسهولة وخفة على الطباع ليقلبه إليها ويجد به شهوة والتذاذا، إلا أنه إذا كان كذلك كان أحمد جوهرا وأفضل غذاء، لأنه يلطف الأخلاط وينقي القنوات وسائر المجاري والعروق من الأثفال والأوساخ، ويصفي الدم ويصيره قرمزيا فرفيريا. وأما المشايخ ومن قد قرب مزاجه من الكهولة فلان في أبدانهم من الرطوبة ما يقاوم حدة هذا النوع من الشراب، صار أنفع الأشربة لهم وإن صرفوه قليلا، لأنه يفعل فيهم فعل الأدوية في الأدواء، من قبل أنه يقوي حرارتهم ويفني أكثر رطوبة أبدانهم الفضلية، ولذلك صار هذا الشراب من أوفق الأشربة لمن قد اجتمعت (2) في عروقه أخلاط غليظة نيئة قليلة الحرارة.
وأما ما يلحق الشراب من الاختلاف بحسب قوامه فيكون على أربعة ضروب: لان منه المائي الرقيق، ومنه الغليظ الأرضي، ومنه المتوسط بين ذلك، ومنه الكائن بين الواسطة وبين كل واحد من الحاشيتين والطرفين. فما كان منه رقيقا مائيا، كان أكثر ذلك أبيض (3) صافيا. ولذلك صار ألطف طبعا وأخف في العروق وأدر للبول وأقل نكاءة (4) في الرأس وفرغا للذهن، لأنه في طبيعته قريب من طبيعة الماء لقربه من المشاكلة له في صفائه ولونه وقوامه. ويدلك طعمه لأنه إذا أضفته إلى الماء وجدته كأنه قد قبل يسيرا من القبض والتقوية. وما كان من الخمور كذلك، كانت قوته قريبة من قوة الماء. ولذلك صار أفضل لأصحاب الحميات لأنه لا يسخن إسخانا بينا ولا يفرغ الذهن أصلا ولا يؤثر في الدماغ الضعيف، أو العصب الذي هو كذلك، تأثيرا ظاهرا. وإذا كان ممزوجا كان ضرره للأبدان أكثر وقطعه للعطش أكثر.
وما كان من الشراب غليظا أرضيا، كان أكثر ذلك أسود. ولذلك صار فعله بضد الشراب الأبيض الرقيق وعكسه، لأنه من أغلظ الأشربة وأثقلها على المعدة وأعسرها انهضاما ونفوذا في العروق وأقلها درورا (5) للبول وأبعدها من الترقي إلى الرأس، ذلك لثقل حركته وغلظ بخاره المتولد عنه. ولهذه الجهة صار لا يسكر بسرعة. فإذا أسكر، كان سكره ثقيلا وانحلاله بعيدا بطيئا. ولذلك قال جالينوس أن طبيعة الشراب الغليظ دالة على ثقل حركته وبعد انفعاله وغلظ جوهره وكثرة غذائه. وطبيعة الشراب الرقيق دالة على خفة حركته وسهولة انفعاله ولطافة جوهره وقلة غذائه.