الباب الثامن قشر الحبوب ودقيقها أما قشر الحبوب فإنه بالإضافة إلى جوهرها ودقيقها عسير الانهضام جدا، مولدا للأمغاص والنفخ، ذلك لقلة رطوبته وغلبة الأرضية واليبس على مزاجه. ولذلك صار غذاؤه غير محمود إلا أنه يختلف على ضروب. وذلك أن منه ما هو في طبيعته مشاكلا لطبيعة دقيقه وجوهره، مثل قشر الحنطة والشعير، ومنه ما هو مخالف لطبيعة جوهره ودقيقه، مثل قشور العدس يطلق البطن بحدته، وجرم العدس يحبس البطن بيبسه وقبضه. وقشور الباقلاء تحبس البطن بقبضها، والباقلاء يطلق البطن بجلائه (1) وعذوبته. فما كان من القشر مشاكلا لطبيعة دقيقه وجوهره كان أحمد وأفضل كثيرا. وما كان منه مخالفا لطبيعة دقيقه كان أذم وأردأ لأنه مخصوص بتولد الأمغاص والنفخ لما يحدث بينه وبين جوهره ودقيقه من المصارعة والمجاذبة، إذ كان أحدهما يطلب الانحدار والخروج والآخر يمنع من الانحدار ويحبس البطن.
وأما الدقيق فهو في جملته على ضربين: لان منه ما هو في طبيعته غليظا لازوقا. ومنه ما ليس كذلك لكنه يكتسب من الصنعة والعمل، من قبل أن كل دقيق نبالغ في عجنه، ولو كان من أبعد الأشياء من (2) اللزوجة مثل الجاورس فلا بد له، إذا بولغ في عجنه، من أن يصير لزجا منتنا ولا سيما إذا عجن برطوبة غليظة مثل رطوبة ماء النخالة وغيره.
فأما الدقيق الذي هو بطبعه لزج علك (3) فيغذو غذاء كثيرا ويولد دما لزجا. وأما الدقيق الذي يكتسب اللزوجة من الصنعة والعمل فيغذو غذاء أقل ويولد دما قحلا جافا. وأما ما كان من الدقيق قد استقصى عجنه ونقي من نخالته وقشوره فهو أجود تغييرا في المعدة، وأسرع نفوذا في العروق وجولانا في البدن، وأكثر تغذية للأعضاء من غيره من الدقيق من قبل أن كله يتشبه بالأعضاء لأنه جوهره جوهر محض، إلا أنه بطئ الانحدار عن المعاء من قبل أنه، لسرعة نفوذه في العروق، لا يبقى منه في المعاء