النافخة المضرة بالمعدة والحجاب وسائر البطن والسدد المانعة لدرور البول. ولذلك قال جالينوس: أن ما كان من الأشربة حديثا لم ينفذ الغذاء ولم يوصله ولم يدر البول. ولذلك وجب على من طبعه حار غليظ ومزاجه مرطوب أن يتوقاه جهده أو يتجنبه أصلا لبعد انهضامه (1) وعسر نفوذه في العروق وجولانه في البدن وانقلابه إلى الدم. وكذلك كان غير محمود الجوهر ولا صالح الغذاء، لأنه ببعد انهضامه يلبثه في المعدة زمانا ويطفو في أعلاها ويعوم كما يعوم الماء. فان أخذ منه فضلا قليلا، أسرعت إليه الحموضة وتفجج وفجج الغذاء ومنع من كمال نضجه، وأحدث بشما وتخما وجشاء حامضا وتمددا في الجنبين وسائر البطن وبخاصة ما كان غليظا أسود (2) قريب العهد بالعصير. ولذلك قال جالينوس: وليس ينتفع بشئ من الشراب الحديث الا بما كان رقيقا مائيا بعيد العهد بالعصير، لان ما كان كذلك كان، بإضافته إلى الغليظ من جنسه، أسرع انحدارا وأحمد غذاء وأعون على تليين البطن.
وما تقادم من الشراب وعتق وجاوز السبع سنين واستفاد مرارة، كان في غاية الحدة والحرافة، لان إسخانه وتجفيفه في الدرجة الثالثة من قبل أن رطوبته الجوهرية قد قلت وقاربت الفناء وغلب على مزاجه اليبس والجفاف. وما كان من الشراب كذلك، كان غذاؤه يسيرا وترقيه إلى الرأس سريعا وفرغه للذهن شديدا، وذلك لقوة تلذيعه وإحراقه وبخاصة إذا اخذ منه مقدار كثير قليل (3) المزاج. ومن قبل ذلك صار من الأفضل أن يحذره ولا يقربه من كان عصبه ضعيفا وحسه ذكيا، لأنه يفيد من كان كذلك ضررا لا يستقل، الا ان يكون في بدن صاحبه من الرطوبة ما يقاوم حدته ويكسر حرافته وتلذيعه فيفعل فيها فعل الدواء في الداء.
ولذلك قال جالينوس: من أوفق الأشربة لمن كان قد اجتمعت (4) في عروقه أخلاط غليظة نية قليلة الحرارة، الشراب الحديث المتقادم. وأما الشراب المعتدل الزمان المتوسط بين القديم والحديث، فهو في اعتداله وحسن استمرائه وجودة جوهره بحسب توسطه وبعده من الحاشيتين المذمومتين، لان إسخانه وتجفيفه في الدرجة الثانية. ولذلك صار الأفضل أن يختار من الشراب ما كان كذلك، ويحذر ما كان قد بلغ من قدمه وعتقه إلى أن صار إلى حالة قد زالت (5) عنه فيها لذاذته وغلبت عليه المرارة والحرافة. وكذلك وجب أن يتجنب منه ما كان له من الطراء وق. ب من المدة ما لم يكمل هضمه فيها ويسكن غليانه وتثويره وتمتار (6) حرارته، وترسب أرضيته وترابيته، وتظهر هوائيته وتعوم، وتبقى مائيته صافية نقية من الأوساخ والأثفال، لان الأول منهما، أعني المتقادم، يسخن إسخانا يجاوز حد الاعتدال