القول في الشعير أما الشعير فبارد يابس في الدرجة الأولى، له لطافة وتخليل مع جلاء يسير، إلا أنه يجفف تجفيفا أكثر من تجفيف الباقلي بيسير. ولذلك صار غذاؤه أحمد من غذاء الباقلي في خلة واحدة لأنه معرى من توليد النفخ إذا أحكم صنعته وإنضاجه. والباقلى فليس كذلك لأنه لزيادة رطوبته، صار توليده للنفخ خاصة فيه غير مفارقة (2) له ولا زائلة عنه كيف كان طبخه وعلى أي وجه كان استعماله، لان جوهره أغلظ من جوهر الشعير وأكثر رطوبة. ولذلك صار غذاؤه أكثر من غذاء الشعير بالعرض لا بالطبع، من قبل أنه لغلظه وبعد انحلاله من الأعضاء، يقوم لها مقام الكثير من الغذاء.
والشعير، فجوهره وغذاؤه، وإن كان أكثر من جوهر الباقلي وغذائه، فإنه للطافته (2) وسرعة انحلاله من الأعضاء، يقوم لها مقام اليسير من الغذاء، لان الأعضاء تخلو منه بسرعة لقلة لبثه فيها، فيفتقر إلى غذاء غيره من قرب. ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن الغذاء المتولد من الشعير دون الغذاء المتولد عن الحنطة والأرز. وأما روفس فقال: إن الحنطة والشعير أغذي الحبوب وأحمدها دما، إلا أن الحنطة أغذي من الشعير وأقوى وأبعد انهضاما، والشعير أقل غذاء وألطف وأسرع انهضاما لقلة لزوجته وعلوكته وكثرة نخالته وقشوره.
ولعل ظانا يظن أن بين القولين اختلاف في المعنى، كما بينهما اختلاف في القول. والامر ليس كذلك، لان غرضهما جميعا واحد، واتفاقهما على معنى واحد. غير أن جالينوس تكلم من حيث ما هو لها بالعرض، وروفس من حيث ما هو لها بالجوهر والطبع. وذلك أنا إذا أضفنا غذاء الأرز والشعير إلى ما هو لهما بالعرض، وجدنا الأرز أكثر غذاء لغلظه وطول لبثه في الأعضاء وبعد انحلاله منها، ولطافة الشعير وسرعة انهضامه وقلة لبثه في الأعضاء وقرب انحلاله منها. وذلك أن في الشعير قوة يجلو بها، ويلطف ويخلل. ويستدل على ذلك من عذوبته وقلة لزوجته وكثرة قشره ونخالته. وقد بينا مرارا أن