في الوجه الذي له اختلف الشحم في غذائه وفعله الشحم في جملته يسخن ويرطب، الا انه يختلف في القوة والضعف لأسباب خمسة: أحدها:
جنس الحيوان الذي هو منه. والثاني: طبيعة الحيوان ومزاجه. والثالث: سن الحيوان ومقدار زمانه.
والرابع: طراء (1) الشحم في نفسه أو قدمه. والخامس: ما تحدث فيه الصنعة والعمل.
فأما اختلافه من جنس الحيوان الذي هو منه فيكون على ضروب: وذلك أن منه ما يكون من حيوان ذكر. ومنه ما يكون من حيوان أنثى. ومنه ما يكون من حيوان قد أخصي فخرج عن طبيعة الذكر والأنثى.
فما كان منه من حيوان ذكر، كان أسخن وأجف. وما كان منه من حيوان أنثى كان بالإضافة إلى ما كان منه من حيوان ذكر، أقل حرارة وأرطب. وما كان منه من حيوان خصي كان متوسطا بين ترطيب الأنثى وتجفيف الذكر. ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن شحم الأنثى من كل حيوان أرطب وأقل إسخانا. وشحم الفحل أسخن من شحم الخصي وأكثر تجفيفا. وأما اختلاف الشحم من قبل طبيعة الحيوان الذي هو منه، ومزاجه، فيكون على ستة ضروب، لان كل شحم فهو بمزاج حيوانه الذي هو منه. ولذلك صار متى كان من حيوان أسخن، كان إسخانه أكثر. ومتى كان من حيوان أبرد، كان إسخانه أقل. ومتى كان من حيوان أعدل، كان حاله في الاسخان والتبريد حالا متوسطة. وكذلك القياس فيما يرطب ويجفف، أعني أنه متى كان من حيوان أرطب، كان ترطيبه للأبدان أكثر. ومتى كان من حيوان أيبس، كان ترطيبه للأبدان أقل. ومتى كان من حيوان قد توسط الرطوبة واليبوسة، كان فعله أيضا متوسطا بين ما يرطب ويجفف. ولهذه الجهة صار شحم الحيوان البارد أكثر ترطيبا للأبدان من غير أن يظهر منه إسخان بين، شحم الأسد أكثر الشحوم تسخينا وأقلها ترطيبا، لان البارد في طبيعته، أرطب الحيوان وأعدلها حرارة، كأنه في حرارته قريب من الاعتدال ومن المزاج المعتدل أو شبيه بالزيت العذب في حرارته فقط.