في البصل والثوم والكراث أما البصل والثوم فأكثر ما يؤكل منهما أصولهما، وقل ما يؤكل منهما أوراقهما وقضبانهما إلا أن تكون طرية رطبة. وقوة الثلاثة الأنواع، أعني البصل والثوم والكراث، قوية شديدة الحدة والحرافة من قبل أنها مركبة من جوهر حاد حريف يخالطه جوهر غليظ أرضي وجوهر رطب مائي وجوهر لطيف هوائي، وقد تمتاز هذه الجواهر بعضها من بعض عند ذوقها وعصرها واستخراج مائيتها ورطوبتها، لأنا نجد الجوهر الرطب المائي والجوهر اللطيف الهوائي يميزان ويخرجان في الرطوبة ويبقى في الثفل الذي هو الجوهر الغليظ الأرضي فيه حرافة وحدة. وبيان ذلك أن إنسانا لو أخذ أحدها فدقه وعصره وتركه وقتا حتى يرسب كدره ثم روقه وصفاه لوجد الثفل غليظا أرضيا شديد الحدة والحرافة، ووجد الرطوبة مائية سيالة فيها حرارة لطيفة هوائية، إلا أن بين كل واحد من هذه الأنواع الثلاثة، أعني البصل والثوم والكراث وبين الآخر، فرقا بينا من قبل أن البصل يسخن في أول الدرجة الرابعة ويرطب في وسط الدرجة الثالثة. والثوم يسخن ويجفف في الرابعة. والكراث يسخن في الدرجة الثالثة ويجفف في الثانية. ولذلك صار البصل إذا استعمل بجملة أجزائه، ولد في المعدة، بفضل حدته وزيادة رطوبته، أخلاطا رديئة مذمومة معطشة مهيجة للغثي والرياح النافخة مورثة لخبث النفس والصداع والهوس لكثرة ما يترقى من بخاره الردئ المذموم إلى الرأس. ومن قبل ذلك صار الاكثار منه مهيجا لاختلاط العقل وفساد الذهن، ومولدا لأحلام رديئة الماناخوليا (1)، وبخاصة إذا استعمل بعقب الأمراض. وإذا أخذ منه بقدر على سبيل الدواء في أوقاته وبحسب الحاجة إليه، كان منه دواء مسخنا ملطفا للفضول الغليظة، ومقطعا للأخلاط اللزجة، ومفتحا لأفواه العروق، ومدرا (2) للبول والطمث، ومسكنا للجشاء الحامض، ومفتقا لشهوة الطعام، ومخلخلا لسطح البدن، ومحللا للبخارات منه، وجالبا للعرق، وملطفا للبطن، وزائدا في المني
(٤٥٣)