القول في اللبن الحامض المعروف بالدوغ أما اللبن الحامض المعروف بالدوغ فبارد يابس بطئ الانهضام، بعيد الانحدار، ثقيل في المعدة مولد للخلط المذموم المعروف بالخام، مضر بالأسنان واللثة الزائلة عن الاعتدال إلى البرودة إما طبعا وإما عرضا. وكثيرا ما يولد الضرس (1) فيمن كانت هذه حاله. وأما متى كانت الأسنان واللثة باقية بحال سلامة، فإنه غير مضر بها. ولجالينوس في مثل هذا قول قال فيه: إن اللبن إذا خرج من الضرع فيحسب طول مدته وبعده بالخروج من الضرع، كذلك نقصان جودة غذائه وكثرة فساده. ولذلك صار من الأفضل أن اللبن من الضرع من قبل أن يصل إليه الهواء فيغيره. وإذا نزعت (2) عن اللبن الحامض سمنيته ومائيته، ازداد بردا وغلظا وبعد انقياده ولم ينتقل إلى الدخانية أصلا، ولو وافى (3) المعدة على الغاية القصوى من الالتهاب والحرارة، لان القوة الحادة التي كانت في اللبن من مائيته وسمنيته قد زالت عنه وبقيت جبنيته أيضا على طبيعتها الأولى التي كانت عليها، بل قد ازدادت برودة لانتقال لبنها إلى الحموضة. ولذلك صار الخلط المتولد عن اللبن الذي هو كذلك باردا (4) غليظا (4)، بعيد الانهضام، بطئ الانحدار، مولدا (4) للخام الموجب الفساد للكبد وجسأ الطحال وحجارة الكلى. فإن وافى هذا النوع من اللبن مزاج المعدة باردا، إما طبعا وإما عرضا، استحال قبل أن يجود هضمه. وإن وافى مزاج المعدة معتدلا، كان هضمه أسهل قليلا. وإن وافى مزاج المعدة أسخن بالطبع من المقدار الذي يجب كان، مع ما أنه لا يضر بالمعدة، فقد نفعها وتصلح غليه، ويعينها على احتمال اللبن ولو برد بالثلج.
(٥٥٨)