في التدبير اللطيف المطلق أعني الأغذية السريعة الانهضام المحمودة الكيموس أما التدبير اللطيف بالقول المطلق، فإنه وأن كان لا (١) يفيد الأبدان من الخصب ولا يكسبها من القوة ما يكسبها التدبير الغليظ، أعني الأغذية اللزجة المحمودة الجوهر، فإنه من أبلغ الأشياء في حفظ الصحة على الأصحاء، ذلك لسرعة انهضامه وسهولة انحلاله من الأعضاء، وجودة الدم المتولد منه، ومع ما له من حفظ الصحة على الأصحاء، فقد يتجاوز ذلك إلى شفاء المرضى ورد الصحة عليهم، لأنا نجده كثيرا <ما> يدفع الأمراض المزمنة، فضلا عن الأمراض الحادة، حتى أنه كثيرا ما يستغنى به المرضى في شفاء أمراضهم عن الأدوية وغير ذلك.
ولذلك صار الأفضل في أكثر الأمراض أن يجهد المتطبب نفسه في بلوغ الغاية التي يقصد إليها من شفاء الأمراض بالتدبير اللطيف فقط، ويتوقى استعمال الأدوية إلا في الندرة عند الاضطرار إليها وبعد الامكان. ولبعض الأوائل في التدبير اللطيف فصل قال فيه: إن من أخذ نفسه بالحمية واستعمال التدبير اللطيف، كان قادرا على تبريد حرارة بدنه، وترطيب يبسه العارض من الحر القوي والتعب الشديد.
وذلك أنه يدخل بدءا إلى حمام عذب معتدل الهواء والماء، ولا يطيل لبثه فيه، ويشرب بعد خروجه من الحمام شرابا ممزوجا مزاجا معتدلا، ويتناول منه حتى يروى، ثم يقذف بكل ما شربه ويستريح ساعة ويتناول البقلة المعروفة بالخس لان في هذه البقلة تبريدا وتطفئة وترطيبا من غير غائلة (2)، ثم يتناول بعد ذلك حسو الشعير المحكم الصنعة مطبوخا (3) بيسير من خل، ويأخذ بعد انهضام الحسو من معدته أجنحة الفراريج والإوز مع قوانصها، وأكارع قد أحكم نضجها وطيبت بالخل ويسير من المري أو أمخاخ بيض طري من حيوان فتي سمين معمول نيمبرشت، وسماه جالينوس المرتعش لأنه لوقته يتموج. ويتناول من البقل ما كان غذاء محمودا غير مذموم، مثل الملوخية والسرمج (4) والبقلة اليمانية، ويشرب بعد ذلك