القول في القنابر أما القنابر فمعروفة مشهورة بقنازعها (1) التي على رؤوسها. ويدل على أن القنابر هي التي على رؤوسها قنازع، قول قاله جالينوس حكى فيه عن أويسريس (2) أنه كان يقول: أن القنبرة أول طائر (2) كان، وأن أباها مات فلم تجد له أرضا تدفنه فيها، فبقي بحالته ميتا خمسة أيام. فلما ضاقت بها الحيل دفنته على رأسها، وأن نافيطس الشاعر كان مضرب هذا المثل، ويقول: أن القنابر على رؤوسها مقابر.
قال وضع هذا الكتاب: أن هذا لم يكن من أوسيريس ولا من نافيطس الشاعر، على أن القنابر ولا أرض (4) لان من الممتنع كون حيوان بلا مستقر ولا جدار (4)، لكنهم أن يبنوا (4) عن هذا الحيوان ويميزوه بمثل طريف بديع.
ومن طبيعة القنابر أنها أقل حرارة ويبسا من العصافير كثيرا. ومن خاصتها: أنها إذا طبخت اللون الساذج المعروف أسفيذباج، كانت مرقتها ملينة للبطن. وإذا أدمن أخذها مرارا كثيرة، نفعت من القولنج. وأما لحمها فاختلف الأوائل فيه لان منهم من قال: أنه حابس للبطن. وأما ديسقوريدس فسلبه ذلك لأنه قال (5): وإذا كانت مشوية أطلقت البطن. وأما جالينوس فلم يثبت ذلك ولم يفرده به، لأنه قال: وأما لحم القنابر فإنه يلين البطن ولكن ينبغي أن يؤخذ مع مرقته (6). وأما أهل زماننا فإني رأيتهم لا يختلفون في أن مرقة القنابر تطلق البطن، ولحمها يحبس البطن. وأما أنا فما رأيت للحم القنابر في تليين البطن وحبسه أثرا بينا. وأحسب أن جالينوس إنما شرط أن يؤكل مع المرقة لهذا السبب، لأنه لو علم أنه حابس للبطن لما أطلق القول فيه بأنه ملين. ولو علم أنه ملين لاستغنى بذكره عن ذكر المرقة.
والله أعلم.