لغلبة المرار عليها وإما لغلبة الملوحة. وأما اللون والقوام والأخص به منهما السواد والغلظ وما قارب ذلك <ف> على قدر تحققه بالحلاوة أو انحرافه عنها أو نقصانها فيه.
ولذلك قال جالينوس: وليس يكاد يوجد شراب خالص الحلاوة الا غليظ أسود. وبحسب نقصان سواده وغلظه. وكذلك نقصان حلاوته وظهور الخمرية عليه. فان كان لونه قليل السواد مائلا (1) إلى الحمرة والصفاء، واستعمل على ما ينبغي وما احتملته الطباع كان أوفق الأغذية للناقهين من الأمراض المحتاجين إلى الغذاء، وأبدانهم تضعف عن احتمال الطعام وهي الأبدان التي قال فيها أبقراط وهو أميل (2) أن نملي الأبدان شرابا ولا نمليها طعاما.
ولجالينوس في مثل هذا قول قال فيه: وليس ينبغي أن يمنع من كان محتاجا إلى الغذاء اللطيف شرب الشراب الحلو وان كان أحمر (3) صافيا صقيلا، لان الدم المتولد عن ذلك الشراب محمود فاضل لتوسطه بين الغلظ واللطافة الخارجة عن حد الاعتدال إلى الرقة وان كان من الواجب ان يحذره غاية الحذر من كانت كبده وطحاله وكلاه غير سليمة من الآفاق والسدد، وبطنه مهيأة لتولد الرياح والنفخ وبخاصة إذا كان قوامه غليظا وحلاوته خالصة غير (4) ظاهرة، لأنا قد بينا ان الشراب الحلو في الجملة يولد في الكبد والطحال سددا أو أوراما في الكلى وحجارة ورملا، وفي البطن والشرسيف (5) رياحا نافخا مضرة بأعلى البطن دون أسفله.
والسبب في إضراره هذه الرياح بأعلى البطن دون أسفله أنها بطيئة التحلل والانحدار لغلظها وبعد انفعالها، ولذلك تثبت في ما بين الشراسيف زمانا طويلا وتحدث في أعلى البطن انزماما (6) وتوجعا، فإذا قويت الطباع على هضمها، تحللت قبل أن تصير إلى أسفل البطن، وسلمت المعاء السفلى من أذيتها. ففيما أتينا به دليل واضح على أن الشراب الخالص الحلاوة أغلظ الأشربة وأثقلها حركة وأبعدها انهضاما ونفوذا في العروق بعد الشراب القابض لان الحلاوة أسخن وأبعد من التجفيف وألذ عند لطباع، والعفوصة أخشن وأكثر أرضية وغلظا وأبطأ انهضاما وانحدارا وأعسر نفوذا في العروق. ولذلك صار الشراب القابض مانعا لدرور العرق وسائر الاستفراغات. ومن قبل ذلك صار جوهره مذموما بعيدا من تولد الدم المحمود، إلا أنه مقو للمعدة وسائر البطن. ولهذه الجهة صار حابسا للاسهال العارض من ضعف المعدة واسترخائها، وإن كان سبب ذلك الحرارة وكان ما ينحدر في الاسهال من جنس الخراط (7).